Al Jazirah NewsPaper Friday  19/03/2010 G Issue 13686
الجمعة 03 ربيع الثاني 1431   العدد  13686
 
فرض ضريبة على الاحتلال الإسرائيلي
عزالدين شكري فشير *

 

إنّ المفكرين وصناع القرار السياسي العرب كثيراً ما يتهمون أوروبا باستخدام السخاء المالي للتغطية على عجزها السياسي فيما يتصل بالصراع العربي الإسرائيلي. وهم يزعمون أن أوروبا لابد وأن تستعرض بعض عضلاتها أيضاً حين تقدم المنح المالية، إن كانت راغبة في أن تؤخذ على محمل الجِد.

ويرى العرب أن المسؤولين الأوروبيين يعترفون بالذنب ضمناً في مواجهة هذه الاتهامات حين يشيرون إلى السياسات التعددية المعقدة التي تتبناها أوروبا والطبيعة البيروقراطية التي يتسم بها الاتحاد الأوروبي. والواقع أن محاوري أوروبا من العرب غير راضين: فهم يريدون من أوروبا أن تكف عن التحدث إلى العالم وكأنها قوة عظمى وأن تبدأ في العمل باعتبارها قوة عظمى حقاً.

ولكن من الواضح أن الاتحاد الأوروبي راغب في الظهور بمظهر الدولة القومية التي دفعت موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي في الاتجاه الخطأ. ويبدو أن عجز أوروبا عن الاضطلاع بدور سياسي في عملية السلام في الشرق الأوسط تم تشخيصه عن طريق الخطأ باعتباره ناجماً عن انحياز أوروبي ضد إسرائيل. فقد زعم مستشارو السياسات أن اكتساب ثقة إسرائيل يشكل ضرورة أساسية للفوز بتأييد أي دور أوروبي في عملية السلام. والواقع أن أوروبا لم تبخل بأي شيء في سعيها إلى تحقيق هذه الغاية: نقل التكنولوجيا، ورفع مستوى العلاقات، وإبرام اتفاقيات الشراكة، بل وحتى طرح احتمالات انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي كما ذكرت بعض التقارير.

وعلى هذا فإن السياسة الأوروبية كانت تدور حول إغواء إسرائيل ورشوة السلطة الفلسطينية في الوقت ذاته. ولا شك أن تمويل الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة والضفة الغربية خدم كِلا الهدفين في نفس الوقت، ولكن كان ثمن ذلك تحمل دافعي الضرائب الأوروبيين لعدة مليارات من اليورو. ورغم ذلك فإن أوروبا لم تكتسب بهذه السياسة أي قدرٍ من الأهمية أو الاعتراف بالجميل. فقد استمر الفلسطينيون في التهوين من شأن المشاركة الأوروبية، وظل الإسرائيليون على اشمئزازهم من أوروبا لأنها «تمول الإرهاب الفلسطيني».

لقد تحملت أوروبا الكثير من الأعباء المالية التي لم تقدها إلا إلى فضح نقاط ضعفها. ولكن إلى أي مدى قد تتفاقم الأمور سوءاً قبل أن يهجر الاتحاد الأوروبي هذه السياسة الهدَّامة؟.

إن فشل أوروبا في الاضطلاع بدور في حل هذا الصراع لم يكن نابعاً من وجهات نظرها المفترضة المعادية لإسرائيل، بل إنه يرجع إلى حقيقة مفادها أن الاتحاد الأوروبي ليس دولة. والدول لا تنتظر من يمنحها الأدوار؛ بل تكتسب هذه الأدوار من خلال أصول القوة التي تستطيع فرضها. ومن الواضح أن أوروبا غير قادرة على فرض أي نمط من أنماط القوة المطلوبة لقلب موازين عملية السلام العربية الإسرائيلية.

بيد أن أوروبا قادرة على الاضطلاع بأمور أخرى. إن تغيير ديناميكية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، يتطلب من اللاعبين الخارجيين الآن أن يؤثروا على الحسابات السياسية داخل إسرائيل وفلسطين من خلال خفض التكاليف السياسية المترتبة على السلام ورفع التكاليف المترتبة على الاستمرار في الاحتلال. والواقع أن أي سلام عربي إسرائيلي حقيقي يعتمد على إعادة إسرائيل للأراضي الفلسطينية التي احتلتها إلى أصحابها، مع إمكانية فرض شروط معينة، ولكن أي حكومة إسرائيلية لن تكون راغبة أو حتى قادرة على القيام بذلك ما لم تتغير الحسابات السياسية داخل إسرائيل. وعلى هذا فإن المطلوب الآن جعل الانسحاب خياراً سياسياً مقبولاً (أو جعل الاستمرار في الاحتلال خياراً أكثر تكلفة) من أجل تحريك عملية سلام حقيقية.

لقد جربت أوروبا بالفعل حوافز الانسحاب، ولكن هذه الحوافز لن تكون كافية وحدها؛ فلابد أيضاً وأن ترتفع تكاليف الاستمرار في الاحتلال. أو بعبارة بسيطة، الأمر يتطلب فرض «ضريبة احتلال». وهذا يختلف عن فرض العقوبات، التي قد تهدد بإشعال فتيل التطرف اليميني الذي قد يدفع إسرائيل إلى المزيد من التطرف. وبدلاً من ذلك فإن فرض ضريبة على الاحتلال من شأنه أن يستهدف اقتصاد المستوطنين وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني.

وينبغي أن تبدأ هذه الضريبة بتحويل استثناء منتجات المستوطنين الحالي في الاتحاد الأوروبي من المعاملة الجمركية التفضيلية إلى حظر كامل النطاق على الوردات من المستوطنات - وأي تعاملات مالية تتم معها. ولابد من منع الشركات والبنوك من إجراء التعاملات التجارية داخل أو مع المستوطنات، وخاصة مع شركات الإنشاء ومورديها. ولابد أيضاً من ممارسة الضغوط على الحكومة الإسرائيلية لحملها على وقف المساعدات التي تقدمها للمستوطنات.

ومن الأهمية بمكان أن تشتمل ضريبة الاحتلال على إجراءات تهدف إلى وضع حدٍ للحصانة الفعلية التي تتمتع بها قوات الدفاع الإسرائيلية. يزعم بعض مسؤولي قوات الدفاع الإسرائيلية أن وقوع بعض الانتهاكات لحقوق الإنسان في ظل الاحتلال أمر لا مفر منه، وأن سجل قوات الدفاع الإسرائيلية ليس أسوأ كثيراً من سجل أي جيش احتلال آخر.

وهم محقون في زعمهم هذا؛ فمن غير الممكن دعم الاحتلال والإبقاء عليه من دون الانتهاك المنهجي لحقوق الإنسان. ولهذا السبب على وجه التحديد يتعين علينا أن نجعل مثل هذه الانتهاكات باهظة التكاليف: وأن ننقل إلى الناخبين الإسرائيليين أن تكاليف الاحتلال من المحتم أن ترتفع. وقد يصبح في الإمكان تحقيق هذه الغاية إذا أيدت أوروبا التحقيق في جرائم الحرب وغيرها من انتهاكات القانون الإنساني الدولي التي ارتكبتها قوات الدفاع الإسرائيلية، فضلاً عن إنشاء محاكم دولية في حالة حدوث مثل هذه الجرائم.

إن الولايات المتحدة فقط هي القادرة على دفع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى عملية تفاوض جديدة، وصياغة مشروع أساسي للحل السياسي. وبوسع أوروبا وغيرها من القوى العالمية أن توفر الدعم لهذه العملية، ولكن في الأساس من خلال التأثير على الحسابات السياسية الداخلية في إسرائيل. والواقع أن هذا الدور من شأنه أن يحمي المصالح الأوروبية في الشرق الأوسط على نحو أفضل، في حين يؤكد احترامها لقيمها ووفائها لها.

* أستاذ السياسة الدولية بالجامعة الأميركية في القاهرة.



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد