Al Jazirah NewsPaper Friday  19/03/2010 G Issue 13686
الجمعة 03 ربيع الثاني 1431   العدد  13686
 
شركاء التنمية ودورهم المفقود
د. شجاع بن متعب بن غميض

 

المجتمعات الإنسانية دائماً في حالة تطور وتغير، وانتقال من مرحلة لأخرى، وهذه سنة كونية يقدرها الله عز وجل، ونتيجة لعوامل متعددة سواء كانت خارجية كالاحتكاك بشعوب وأمم أخرى، أو عوامل داخلية مثل برامج الحكومة وخططها التنموية..

..وهذه العوامل وغيرها جعلت المجتمع السعودي يحقق تقدماً حضاريا وانجازات عالمية بمختلف المجالات، كان للاستقرار الأمني ووحدة الصف ووضوح الهدف والعمل الجاد بفضل الله الدور الرئيسي في ذلك.

فإذا كانت الحاجة في مرحلة التأسيس والبناء تتطلب قيام الحكومة ممثلة بأجهزتها بكافة الأدوار والمهام والمسؤوليات، وما نتج عنه من ثقافة معينة لدى المواطن، فإن الأمر يختلف في زمن اكتملت به المقومات الأساسية للحياة الكريمة، وتقلد العلم زمام الأمور في كل شيء، وساد الأمن وتحققت رفاهية المواطن، وأصبح بإمكان بعض رجال الأعمال من المواطنين أن ينفذ مشاريع عملاقة، لا تستطيع بعض الدول تنفيذها، وظهرت الحاجة في هذه المرحلة إلى تغيير المفاهيم الثقافية واضحة السلبية.

ومن المتفق عليه أن الدور الأساسي في تكوين شخصية الفرد في مراحلها الأولية يقع على الأسرة بصفتها اللبنة الأولى لتكوين المجتمع، ومن ثم على المدرسة التي تحتضنه من تلك الأسرة، وبالتالي هي المسؤولة عن التغيير إلى الأفضل، لكن هذا الدور فقد الكثير من فاعليته وبدأ في الانحسار، مع بداية التحول من الأسرة الممتدة للأسرة النووية، وفقدان السيطرة والتأثير على النشء في كل الأمور، في زمن الانفتاح الإعلامي وتعدد مصادر التأثير على الفرد وأسرته من جانب، ومن جانب آخر من سمات الفرد السعودي تفضيل التعايش مع مجموعته القريبة أو دائرته الضيقة - التي اخترقها الإعلام الفضائي وأصبح من أهم مكوناتها - على التعامل مع دائرة أوسع ضمن حدود المجتمع إلا عند الحاجة وسرعان ما يعود إلى مجموعته القريبة بعد انتهاء الحاجة، مما يقلل من فرصة تغيير مفهوم أو ثقافة غير مفيدة، لآخر يحتاجه المجتمع.

هذه العوامل وغيرها حالت دون استثمار بعض المبادرات والمناشدات التي تبنتها بعض الجهات او الشخصيات المؤثرة في المجتمع، فكم مرة أوضح صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني ووزير الداخلية أن المواطن هو رجل الأمن الأول ومشاركته في أهم الأعمال وأكثرها حساسية مطلب وطني، وكم ساند ولاة الأمر من يعمل المعروف ويأمر به وينهى عن المنكر بحدود دوره التطوعي، الذي لا يتعارض مع أصحاب الاختصاص، وكم من مؤسسة حكومية كافأت وشجعت مواطنا بادر للأعمال الخيرية والاجتماعية، وكم من مواطن منح أعلى الأوسمة من خادم الحرمين الشريفين نتيجة لاعماله التطوعية الحسنة، ومع كل هذا لا يزال مفهوم الدور الكامل في تقديم الخدمة ومساعدة المحتاجين محصوراً على أجهزة الحكومة ومسيطراً على ثقافة المجتمع، ودور المواطن مقتصرا على ما يقبض عليه أجر، ولعل ما زاد هذا المفهوم رسوخاً في الثقافة والعقول، للأسف بعض الإجراءات البيروقراطية التي تعشش في عقول بعض العاملين في بعض القطاعات الذين يقدمون مصالحهم على المصلحة العامة، حتى ظهر مفهوم يواكبه في النتيجة - لا تساعد أحدا ولا تبلغ عن حادث ولا تسعف محتاجا - حتى لا تبلش.

فعلى من تقع المسؤولية في تغيير بعض المفاهيم السلبية التي تمنع الكثير من المبادرات التي يحتاجها المجتمع، وتقلل من واجبنا تجاه وطننا، وتقف حجر عثرة بيننا وبين ما يحثنا عليه ديننا الحنيف وينادي به ولاة الأمر، تناقض ثقافة التطوع، وثقافة المسؤولية المشتركة بين المواطن والحكومة، وثقافة مؤسسات المجتمع المدني ودورها التنموي، وثقافة الرقابة الاجتماعية ودروها في الاستقرار والازدهار الأمني بمعناه الشامل.

هل يتم تغيير المفاهيم السلبية على أرض الواقع عن طريق رجال الأعمال من المواطنين الذين اكتسبوا مكانتهم من أرض هذا الوطن وخيراته، من خلال مشاركتهم في إقامة مشاريع خيرية، كدور الأيتام والمؤسسات الخيرية التي تهتم بأحوال المحتاجين، والمساهمة بتوفير مراكز العلاج لبعض الأمراض المستعصية، أم يتم عبر مشاركة المؤسسات الإعلامية من خلال تبنيها القضايا والبرامج التي تفعل دور المواطن وتساهم في نشر وترسيخ ثقافة المحافظة على الوطن ومكتسباته لدى النشء، وثقافة الضبط الاجتماعي وما لها من أهمية في استقرار المجتمع وديمومة أمنه.

وأعتقد أن المجتمع السعودي أصبح أكثر تقبلاً للمتغيرات البناءة، وأكثر فهماً لمن يخاطب العقل والمنطق، وأكثر إدراكاً لمتطلبات التنمية، فإذا أردنا أن نحافظ على هذه المكانة الوطنية العالية، ويتضاعف العطاء ويستفيد الجميع، ويستمر الازدهار والنمو وتقل فرص الحاجة والفقر، وتجف ينابيع الجريمة، فعلى الكل المشاركة والقيام بدوره التطوعي للمحافظة على مكتسبات الوطن وأمنه الشامل، وعلى الإعلام على وجه الخصوص القيام بدوره لتصحيح بعض المفاهيم السلبية وآثارها على المجتمع وعلى الوطن، وأن لا يفرض قضايا ويتجاهل أخرى، في سبيل الفوز بالسبق الإعلامي، وإذا جاز له ذلك، جاز للوطن والمجتمع مطالبته للنظر في القضايا الوطنية أكثر وأكثر ما هو حاصل حالياً.

ولا ينتظر من الحكومة فعل كل الأدوار والمهام، فثقافة الدور الكامل للأجهزة الحكومية يحتاج إلى إعادة نظر، نعم التخصص وتحديد المسؤولية غاية في الأهمية، ولا تتحقق الأهداف بدونه، لكن المشاركة فيما يحقق تلك الأهداف واجب وطني.

والله ولي التوفيق.



dr.shujaa@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد