أسرة التحرير في هذه المجلة، عوّدوا القراء على هدية تصاحب عدد يناير من كل عام، وفي هذا العام يناير 2010م - محرم وصفر عام 1431هـ كانت هديتهم خريطة أرادوها: لتاريخ الوطن العربي، خلال 14 قرناً، وكتبوا أسفلها: بأنّه نفّذها لأول مرة...
...معهد الدراسات العربية العليا، التابع لجامعة الدول العربية، وهي خريطة زمنية، وليست جغرافية، توضح الأوضاع السياسية للوطن العربي، منذ بدء التاريخ الهجري، وقد أعادت مجلة العربي، صياغتها لتتسع لتزايد عدد الدول العربية المستقلة، وللتطورات الحديثة، الممتدة إلى الوضع الحالي، أول يناير 2010م. ا.هـ. هذا ما أرادوه هدفاً لعملهم.
وفي عملهم هذا خطأ كبير بالنسبة للمملكة العربية السعودية، والجزيرة، فقد وقعوا في أخطاء، كان من اللازم التثبت قبل نشرها حتى لا يجرحوا المشاعر، وقد يكون في جهات أخرى مثلها، حتى لا تفقد المجلة مصداقيتها، وكلٌّ يدافع عما يهمه، وحتى لا يؤخذ ما جاء في هذه الخريطة أمراً مسلماً، أحببت التنويه، لأن السكوت ممن يعلم علامة الإقرار.
فقد كانت منطقة اليمامة التي هي قلب الجزيرة قبل الإسلام تسكنها قبائل طسم وجديس، وعنزة وحنيفة، والقبائل بأعرافها، وفي الإسلام خضعت للرسالة المحمديّة، ثم للخلفاء الراشدين، وبعد ذلك للدولة الأموية والعباسية بولاتهم، ويغزوها أشراف مكة، وبعد القرن الرابع الهجري، صارت المعلومات مُعتمة، فخضعت للأعراف القبلية، وتسلط القبائل.
ولم تكن مطمعاً للغزاة والاستعمار لضيق ميدان الزراعة والاقتصاد، يقول د. منير العجلاني في تاريخ البلاد السعودية: أما تاريخ نجد بل تاريخ الجزيرة العربية الوسطى والشمالية، فلم يزل مجهولاً، لأسباب كثيرة، ذكر منها ثلاثة وأعاد البقية، لأهمية الكشوف الأثرية، حيث أثبتت الدراسات الجيولوجية، والكشوف الأثرية التي ظهرت، أن الجزيرة العربية في القدم قطعة من الفردوس منثورة، على وجه الأرض، تغمرها الأشجار والأزهار، وتتدفق فيها العيون والأنهار إلى آخر ما ذكر (ينظر ج1 ص3-21).
وفي القرن الثامن أثبت المؤرخون، أن إمارات ظهرت، ومدناً أُعْمِرت في الأماكن الحضرية والزراعية، ومن بين ذلك في وادي حنيفة القريب من الرياض، أقام جدّ آل سعود إمارة الدرعية.. فانبعث التاريخ الجديد، منذ عام 1157ه - 1744م، مع لقاء الإمامين: محمد بن سعود ومحمد بن عبدالوهاب -رحمهما الله- والاتفاق على القيام بالدعوة التصحيحة للعقيدة على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح في القرون الثلاثة التي قال عنها رسول الله: هي خير القرون. وبمثل هذا قال الباحثون من أبناء الجزيرة كالشيخ حمد الجاسر وعبدالقدوس الأنصاري، وأحمد عطار - رحمهم الله .
وهذا التاريخ هو بداية الحكم السعودي الواسع الانتشار، وهو ثلاثة أدوار، جدد الدور الثالث الملك عبدالعزيز منذ عام 1319هـ - 1901م، وقد مر الحكم السعودي، بمسميات مختلفة، حتى استقر الأمر في عام 1351هـ - 1934م بناء على رغبته شعبية بأن يكون الاسم: المملكة العربية السعودية، وهذا هو الذي جعل في خريطتكم، وهذا خطأ، إذْ قد احتفت المملكة في عام 1419هـ - 1998م بمرور مئة عام على تأسيس المملكة، وقد دعيت حكومات كثيرة للمناسبة، وجاءت برقيات التهنئة من دول العالم وأولها دول الخليج.. وهذا خاص بالدور الثالث، وهو امتدادٌ لما قبله.
وهذه نقطة أيضاً يجب أن تصحح لأن الخريطة جاء فيها البداية من عام 1932م - 1351هـ وهذا تاريخ تعديل تسمية الدولة، وتغيير المسمى لا ينفي السابق ولا يعدل الجوهر، وهو التأسيس، الذي هو امتدادٌ للأدوار الأولى في الحكم السعودي.
أما ما أدخلتم في المسيرة للحكم السعودي، ما يسمى بالوهابيين، فهذا خطأ شنيع، من صنيعة الأعداء، إذ لا يوجد حكم باسم الوهابيين في الجزيرة العربية كلها، لأن هذا لقب أراده خصوم دين الله الحق إطلاقاً تنفيرياً، كذباً وزوراً على هذه الدعوة، بعدما تأثر بها المسلمون أثناء حجهم، وبعد امتداد الحكم السعودي في الدور الثاني إلى مكة، بقيادة الإمام سعود بن عبدالعزيز، وبدأ الإصلاح ينهض في الممالك الإسلامية التي امتد إليها الاستعمار.
ونربأ بمجلة العربي الكويتية، لمكانتها ورصانتها، أنْ تجدد هذه الفرية وتزكيها، فهي أولاً وقبل كل شيء لا أساس لها، ولا رابطة لهذا اللقب، في منهج السلفية الذي سار فيه الأئمة من آل سعود، ولا المشايخ بدءاً بالشيخ الداعية محمد بن عبدالوهاب، والله سبحانه قد نهى الفئة المؤمنة في سورة الحجرات عن: التنابز بالألقاب والغيبة، وإقرار هذا الخطأ، وتجديده وإشاعته، من البهتان الذي هو أشد من التنابز، والغيبة. وللمعلومية لمن كان جاهلاً بالحقيقة، فإنّ هذه الوهابية التي قلتم، ونتبرأ منها وأعمالها، موجودة في الأندلس وشمال إفريقيا وأفتى بتكفيرها علماء الأندلس قبل انحسار ظلّ دولة الإسلام فيه، فصاحبها عبدالوهاب بن عبدالرحمن بن رستم المتوفى عند الزركلي في الأعلام عام 190هـ - 805م، والشيخ محمد لم يولد من أجداده 25 فرداً بعد.
لكن أعداء الإسلام والعرب، أرادوا التنفير من هذه الدعوة السلفية، التي قامت لتجديد دين الله الحق، وتنقيته من البدع، كما هي عادتهم: فرّق تسد، فهي دعوة قامت على كتاب الله وسنة رسوله، فخلعوا اللقب القديم بعيوبه على هذه الدعوة للتنفير منها لتنطلي الفرية لأن العرب كما قال موشى ديان وزير الحرب الإسرائيلي الهالك: أمة لا تقرأ.
أما التسمية على عبدالوهاب بن رستم، فهي صحيحة: نسباً ولغة، كما جاء عند الفرد بل في كتابه عن الفرق في الأندلس والشمال الإفريقي، حيث قال: وسميت باسمه: الوهابية الذي عطل الشرائع الإسلامية، وألغى الحج، وحصل بينه وبين معارضيه حروب، وتوفي بمدينة تاهرت عام 197م بالشمال الإفريقي، وأخذت فرقته هذا الاسم، لما أحدثه في المذهب، من تغييرات ومعتقدات، وكانوا يكرهون الشيعة قدر كراهتهم لأهل السنة، (ينظر هذا الكتاب بترجمة عبدالرحمن بدوي ص140 -150 والمؤلف الفرد بل فرنسي الجنسية).
والدعوة التصحيحية التي قام بها الإمام ابن سعود، ثم أبناؤه من بعده، والشيخ محمد بن عبدالوهاب ما هي إلا دعوة سلفية على منهج السلف الصالح وفق كتاب الله وسنة رسله صلى الله عليه وسلم، وفي الفقه هم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، أحد الأئمة الأربعة المشهورين.
والملك عبدالعزيز رحمه الله في خطابه يوم غرّة ذي الحجة عام 1347هـ - 11 مايو عام 1929م بمكة المكرمة يقول في إحدى كلماته: يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي، بحكم أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعايات الكاذبة، التي يبثها أهل الأغراض.
نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأتِ محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا عقيدة السلف الصالح، التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف الأمة الصالح.. ونحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي، وأحمد وأبي حنيفة، وكلهم محترمون في نظرنا، هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو إليها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله عز وجل، خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة، فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب.
أما التجديد الذي يحاول بعضهم إغراء الناس به، بدعوى أنه ينجينا من آلامنا، فهو لا يوصّل إلى غاية، ولا يدنينا من السعادة الأخروية إن المسلمين في خير، ما داموا على كتاب الله وسنة رسوله، وما هم ببالغين سعادة الدارين إلا بكلمة الإخلاص (ينظر كتاب المصحف والسيف جمع وإعداد محيي الدين القابسي، الطبعة الرابعة عام 1997م وهو مجموعة خطب وكلمات وأحاديث الملك عبدالعزيز رحمه الله).
وقد جاء في كتب وفتاوى أهل الأندلس، والمغرب تكفير هذه الطائفة، ومن ذلك ما جاء في كتاب المعيار المعرب، في فتاوى أهل المغرب لأحمد الونشريسي المتوفى عام 914هـ - 1508م، فتوى من الشيخ علي بن محمد اللخمي مفتي الأندلس، والشمال الإفريقي المتوفى عام 478هـ - 1085م بتكفير هذه الطائفة وأفتى غيره بهذا، فهل يصح أن تطلق هذه التسمية، وهذه الفتاوى على الشيخ محمد بن عبدالوهاب، وهو لم يولد، بل إن 22 من أجداده لم يولدوا بعد؟ إن كل عاقل ينفي هذا، لأنه لم يعرف شيء من هذا في التاريخ أبداً.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كفّر مسلماً فقد كفر، فأول من وصل الأحساء يستخبر هذه الدعوة، إنجليزي هو برك هارت سماها: المحمدية، وأطلقها غيره الدين الجديد، لكن هذا ما يحقق رغبة أهل الأهواء، فوجدوا الوهابية الرستمية الخارجية، وأعمال صاحبها المخالفة للدين، وما صدر حوله من محاربة وفتاوى، فظنوها نافعة لمقصدهم، فوالد الشيخ عبدالوهاب لم يقم بهذه الدعوة، فجاءت النسبة إليه وهذا خطأ لغوي.
والإمام سعود بن عبدالعزيز المتوفى عام 1230هـ - 1819م، قد تناقش مع حكام المغرب وعلمائه والمفتي في حج عام 1226هـ - 1811م بمكة المكرمة حول هذا الموضوع، فأقنع حكام المغرب، والمفتي والعلماء معه، بأنهم ما رأوا من الإمام ما يخالف الشريعة وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رصد الناصري ما دار وأطال في الثناء مع نقل آراء المفتي والعلماء وما عمله المولى إبراهيم بن السلطان المولى سليمان سلطان المغرب، حيث قال: ما رأينا من ابن سعود ما يخالف من عرفناه من ظاهر الشريعة، وإنما شاهدنا منه ومن اتباعه، ما به الاستقامة والقيام بشعائر الإسلام من صلاة وطهارة وتنقية الحرمين من الآثام، فمن شهد المولى إبراهيم بن سلطان سليمان ومن معه لا يتفق مع الوهابي عبدالرحمن بن رستم، التي جاءت عنه الفتاوى بتكفيره.
بل قبل هذه المناظرة قد تحقق السلطان سيدي محمد بن عبدالله العلوي، من الحجاج عن هذه الدعوة، مما صدر من افتراء عليها، فقال: أنا وهابي العقيدة، مالكي المذهب، (يراجع في هذا كتاب الإعلام بمن حلّ بمراكش من الأعلام 10 و70 و71 والاستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى 8 ص120 - 122) لراغب التوسع والمعلمات). وكلمة جد العلويين حكام المغرب المنوه عنها في كتاب: تاريخ إفريقيا الشمالية (2: 311).
والشواهد لمن يطلبها، وينشد الحق متعددة، ولنا من المناسب إيراد ما حصل بين الشيخ أحمد بن عيسى القاضي الذي جاور في مكة في حدود عام 1300ـ 1882م، حيث يتعامل مع التاجر بجدة عبدالقادر التلمساني، فأعجب به، وقال له يا شيخ أحمد منذ أربعين سنة وأنا أتعامل مع الناس فما رأيت أصدق منك، ولا أوفى منك يا وهابي، فأحب النقاش معك، إذا لم يكن عندكم، ما تخفونه، وتأتي بكتب ورسائل الشيخ فما يشاع عنك مبالغ من خصومكم.
فوافق وجلس عنده قرابة 25 يوماً، والتلمساني أزهري، يحمل شهادة عليا في أصول الدين، وقد كان أشعرياً، فشرح الله صدره للعقيدة السلفية يقول التلمساني بعدالمناظرة اعتنقت مذهب السلف، وصرت آخذ التوحيد من منابعه الأصلية: كتاب وسنة رسوله، فعلمت أن مذهب السلف أسلم وأحكم بفضل الله ثم بحكمة الشيخ أحمد ثم صار يطبع كتب السلف في مصر ويوزعها، وهدى الله به خلق كثير في جدة ومكة. (ينظر علماء نجد لابن بسام ج1 ص438 - 341).
ولعلّ ضيق المجال، يحول بيننا والتوسع في التعريف، بتلك الوهابية، المراد إلصاقها بدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب التي ناصرها آل سعود حماة مسجدي: مكة والمدينة: حرم الله، وحرم رسوله، فنأتي بمثال فقط من إحدى الفتاوى عن فرقة الوهابية الخارجية، وإلا فإنّ كتب العقائد والتاريخ في المغرب العربي، والأندلس مليئة بمعلومات وفتاوى عن هذه الوهابية، نورد منها ما جاء باختصار عند الونشريسي المتوفى عام 914هـ - 1508م، في كتابه المعيار المعرب، عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب الجزء 11، حيث قال سئل الشيخ علي بن محمد اللخمي المفتي، المتوفى عام 478هـ - 1085م كيف يُعامل معتنقو المذهب الوهابي؟ فأجاب إذا كان الأمر كما ذكر، فهذا باب عظيم، يخشى منه أن يُفسدوا على الناس دينهم، وهم أشدّ في كيد الدين من اليهود والنصارى للمعرفة بكفرهم، إلى آخر ما جاء في هذه الفتوى.. وغيرها كثير هناك.
فنقول: كيف يلتبس على جهات إسلامية، ليتبنوا رأي بعض السياسيين، وأهل الأهواء، في تكفير أهل القبلة، برأي مفترى ورسول الله صلى الله عليه وسلم، شدّد في تكفير المسلم الموحد، بل كيف يرضى بعضهم بما لا يرضاه لنفسه، ثم ما هو مستندهم في هذا اللقب المفترى، والشيخ محمد رحمه الله، أفتري عليه الشيء الكثير، ويرد عليها في رسائله: سبحانك يا رب، هذا بتان عظيم.
والذي نرجوه من سعادة رئيس تحرير العربي الدكتور سليمان إبراهيم العسكري، أن يصدر عنه ما يصحح الوضع والرجوع إلى الحق خير من التمادي في ضده. وهو جدير بذلك إذا وصله الأمر، حتى يزيل هذا الخطأ.
بل إن الأكبر من ذلك، أن جميع أنبياء الله أفتري عليهم، وبرأهم الله، وجميع العلماء المصلحين في كل جهة وزمان قد افترى عليهم وجاء من يدافع عنهم يقول صلى الله عليه وسلم: (من ذبّ عن عرض أخيه المسلم ذبّ الله عن عرضه يوم القيامة).