قرأت مقالة الأخ القريشي نشرها في صفحة وراق الجزيرة التي يشرف عليها الزميل النشط يوسف العتيق، وقد تحدث عن بلدة بنبان، أو كما يسميها النجديون «ببان» وهي عبارة عن واد يقع شمال غرب الرياض بمسافة تزيد عن 50 كم من وسط العاصمة، وفي أسفل الوادي روضة.
كانت بنبان مزارع لأسر معروفة من أهل «العارض» وكانت مزارعها تنتشر وسط الوادي، بحيث يحفرون الآبار على شفة الوادي للبحث عن الماء، وكانت تموّل الرياض ببعض التمور حينما كان التمر غذاء الناس لا غير.
وبنبان معروفة منذ الجاهلية، حيث استزرعها بنو سعد، قال ياقوت عن بنبان «بنبان بالفتح ثم السكون، وباء أخرى، قال الحفصي: منهل باليمامة من الدهناء به نخل لبني سعد»أ.هـ.
ويقول أهل العارض بالذات عن مجرى الوادي في بنبان «مخر ببان» بفتح الخاء وتشديد الراء المهملة، من شق وخرير الماء وقت جريانه، وفي بنبان أيضا روضه معشبة أيام الربيع، وكان الملك عبدالعزيز يحميها لتكون مرتعاً لخيل الغزو آنذاك، وكانت الخيل إذا أوغلت في رعي الأعشاب تحتاج إلى مادة فيها ملح، لذلك كان حي المعذر الحالي مكاناً ينبت فيه العاذر وهو نبات مالح، فيأخذون الخيل هناك لرعي العاذر ويسمون المكان «المْعذر». وفي عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، وبعد أن استقرت الأمور وتم توحيد المملكة، كثر القاطنون في الرياض بعد أن قلت الموارد المالية للناس، فكان الناس يأتون للرياض ويسكنون في حي يسمى «غميته» وكذا «البطحاء» و»المرقب» وذلك لقربها من مضيف عام للناس اسمه «ثليم» ويقع المضيف بين شارعي البطحاء والوزير حاليا، فكان الموكلون به يقدمون الأكل مجاناً للناس، مما جعل الموقع يزدحم بالناس القاطنين للرياض من غير أهلها الأصليين، بل تجاوز ذلك إلى أن يسكنوا في حي المربع «قرب الأحوال المدنية حالياً، وكانت المنطقة هناك خالية إلا من قصر الملك» قصر المربع والشمسية» فلما تكاثروا بشكل ملفت للنظر وكثرت الخيام وصنادق الحديد والخشب، أمر الملك بتهجيرهم إلى قرب بنبان وجعل سرور العبدالرحمن أميراً عليهم هناك، «سرور أحد موالي الإمام عبدالرحمن رحمه الله» ولكن الجدري هب في الناس في بنبان وغيرها، فكثر الموتى في كل مكان من المملكة بسبب الجدري، حوالي 1363هـ وقد كان عمّي «مداد أبو حمراء» ممن سكن بنبان، وبها مات ابنه مطلق، ورثاه بقصيدة منها:
مذكور بالخير يا ببان
مطلق دفناه في جالك
ولكن بعد مدة منحت الحكومة أولئك المهاجرين لبنبان والمقيمين في غميته والبطحاء أراضي للبناء عليها في حي منفوحة، ويسمونه «ظهرة منفوحة» وهي المرتفع الذي يفصل الرياض عن منفوحة القديمة، فكان عدد سكان ذلك الحي هائل جداً، وصار مقراً لكثيرين ممن يقدمون للرياض، وحينها لم يتبق في موقع التهجير قرب بنبان إلا قليلون من المهاجرين لها، ولعل من أشهر الذين بقوا في بنبان أسرة «الرقاص» وهم من الحفاة من الروقة من عتيبة، ولا زالت نخيلهم موجودة إلى الآن، أما أغلب من هاجر لها مع سرور العبدالرحمن فقد غادرها، بعد أن تم توزيع أراض سكنية لهم في منفوحة ثم في غميتة والمرقب والحلة «في الرياض حلتان هما حلة آل رشيد وحلة الأحرار».
وبجوار بنبان جبل كان يصعب على السيارات تجاوزه، وكان ابن شاووش سائقا في إحدى سيارات الملك عبدالعزيز، فقام ابن شاووش وعبّد الخط بمفرده حتى صارت السيارات تعبر بسهولة، ولما رأى الملك الخط معبداً قال من اللي سوّى الخط؟ قيل ابن شاووش يا طويل العمر. فقال ابن شاووش: أنا يا طويل العمر. فقال الملك: لك هدية تستاهل. فقال ابن شاووش رحمه الله أبي قلة تمر وخيشة عيش يا طويل العمر. فضحك الملك وقال: أبشر بهن!! (حدثني بقصة ابن شاووش ابنه عبدالعزيز أبو مراد رحمه الله).
وكان أمير بنبان نفسها الحريشي، وله ولع بكتابة الأحداث اليومية وتدوينها ساعة بساعة وبدقة متناهية، وكان يعطيها الملك عبدالعزيز ليقرأها ويقول له الملك: بارك الله فيك. وذات يوم قال له الملك عبدالعزيز: وراك ما تقول الأخبار من الرأس وش هو له القرطاس؟ فقال الحريش: «وكان رجلا ذكياً وحاضر البديهة»: يا طويل العمر القرطاسة هي اللي تقضب العلوم وتبقى ما تضيع واللي بالراس يضيع وننساه قدّام هيبتكم» فأعجب الملك بنباهته، واستمر الحريشي أميراً على بنبان، وبعد مدة تم تعيينه أميراً في بلد الشمال، رحم الله الجميع.
هذا ما أردت أن أضيفه إلى موضوع بنبان، ولعل في ذلك إفادة للقارئ وتذكيراً بتاريخ تتناقله الأجيال لتلك القرية الجميلة التي كانت حضنا دافئاً لكثير من الناس أيام الفقر والجوع.
فاكس : 2372911