كنت قد أشرت في المقال السابق إلى كلمة الأمير سلمان التي توجه بها لضيوف معرض الكتاب الدولي 2010م، وذكر سموه أن السعودية أول دولة توحد (أغلب) أراضي شبه الجزيرة العربية بعد الخلفاء الراشدين.. وقد ذكرت أنها مناسبة للاحتفال بمرور ربع الألفية الميلادية الثانية لقيام الدولة السعودية وإعادة كتابة تاريخنا الحديث الذي كان يُكتب في حالات كثيرة من بغداد ودمشق والقاهرة وصنعاء والشمال الإفريقي والمغرب الأقصى ومن طهران وبلاد الجبال ومن بلاد ما وراء بحار الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي... وهذا ليس انغلاقاً أو رفضاً لما كتبه المؤرخون، فإنه بين أيدينا معلومات حاضرة في كتب متفرقة ومخطوطات في المكتبات ولدى بعض الأسر والباحثين.
وهنا أتوجه إلى سمو الأمير سلمان ثانية لأهمية الاحتفال بمرور ربع الألفية الثانية لقيام الدولة السعودية من أجل إظهار عمقنا الحضاري والسياسي وكشف حجم الظلم الذي عانته بلادنا في حدودها الحالية وبخاصة وسط الجزيرة العربية بما في ذلك شرق المملكة وغربها إذا نظرنا إلى أطراف الجزيرة العربية وحدودها الطبيعية هي دول الخليج الساحلية والصحراوية واليمن وأجزاء من العراق والشام. لذا فإن الأغلب هي المملكة العربية السعودية، فقد تعرضت لظلم واضطهاد الولاة والإهمال المتعمد من عواصم الخلافة، وزاد الظلم بعد الكشف عن الممرات المائية في رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا والسيطرة المائية للإمبراطوريات الأوروبية والعثمانية على سواحل البحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي.. يا سمو الأمير سلمان الجزيرة العربية أُهملت معظم أجزائها لفترات تاريخية طويلة إلا من بعض سواحلها والأماكن المقدسة، حتى أن الجزيرة العربية بعد الخلافة الراشدة أصبحت حديقة خلفية للعراق والشام واليمن، وأصبحت معادن أرضنا الطبيعية ومراعيها وسهولها وآبارها وعيونها السائحة محميات طبيعية للمتنفذين في عواصم الخلافة الإسلامية، وكانت الأوامر والأحكام تأتينا من ولاة البصرة وحكام خرسان وعبادان والأهواز وشرقي الأردن ومدن بلاد الرافدين واسطنبول. كنا طوال التاريخ القديم رعايا للآخرين دون أن يكون لنا كيان سياسي يدافع عن مصالحنا، نمد العواصم بالمقاتلين وقوافل النياق والجمال، ونجعل أرضنا معسكرات للجيوش ومقاتلينا مرابطين على الممرات المائية على طوال سواحل الخليج والبحر الأحمر. كانت دول وإمارات مثل: الفاطمية والقرامطة والعقيلية والأيوبية والسلجوقية والمماليك والعثمانية لا ترى فينا إلا متمردين على سلطانها حتى ولو كانت عواصمهم بعيدة ونحن في صحرائنا نعيش شح العيش وضيق الحال يهاجمنا الجوع والفقر والمرض والجهل وسفنهم تجول بحارنا وفرقهم العسكرية نمدها بالرجال وأرضنا تمدهم بالغذاء والمراعي حتى أصبح لدينا ظلام تاريخي وحضاري وعزلة استيطانية إلى أن أراد الله أن يفرج كرب هذه الجزيرة بقيام الدولة السعودية.
ولهذه الأسباب مجتمعة أتوجه إليك يا سمو الأمير سلمان في تبني مشروع الاحتفال بهذه المناسبة العظيمة، وهي مرور أكثر من 250 سنة على قيام الدولة السعودية، وتنظيم ندوة كبرى لتشجيع الباحثين لكتابة تاريخ بلادنا.