وعدتكم يوم السبت أن أسرد عليكم قصة العبارة التي حظيت بإجماع المشاركين والحاضرين لجلسات الندوة الدولية التي نظمها قسم اللغة العربية في كلية الآداب في جامعة الملك سعود، وهي (شكراً للدكتورة الشملان)، تتردّد العبارة بامتنان علمي راقٍ لمثل هذه المبادرات العلمية المهمة التي من المفترض أن تتحوّل إلى فعل دوري منتظم يجدّد ويحدث ويثري بأبحاث جديدة ورؤى تحرِّك الآسن وتبث الحياة العلمية في عروق الأقسام العريقة.
سأترك فعل القص والحكي لصاحب حكاية ما بعد الحداثة الدكتور عبد الله الغذامي، ذلك أنّ عبارة (شكراً للدكتورة نورة الشملان) تنتمي في تفكيكيّتها إلى نظريات ما بعد الحداثة، حيث تستعيد المرأة روح المبادرة وتهدم بنى النسق الذّكوري الذي يدّعي دائماً أنّ الأعمال الكبيرة للرجال، بينما على النساء التبعية، بل إنّ النظرية العلمية ذاتها ترى أنّ المرأة أدنى من استيعابها، لأنّ المرأة لا تملك رؤية قاطعة وصارمة، وأنّ حديثها مثل تفكيرها يتّسم بالميل إلى الطراوة والليونة، مما يُعَد نقضاً لصرامة الرأي العلمي. لكن ذلك دحض نهائياً في الندوة الدولية (قضايا المنهج في الدراسات اللغوية والأدبية النظرية والتطبيقية)..
أترككم للحكاية التي رواها د. الغذامي:
(تأتي حكاية الندوة من مقترح تقدّمت به الأستاذة الدكتورة نورة الشملان قبل أكثر من عام، تقترح فيه طرح ندوة عالمية عن قضايا المنهج، يتبنّاها قسم اللغة العربية ويقوم بها، وكان أن قام الإخوة في مجلس القسم بتكليف الدكتورة نورة ذاتها بتولِّي مهمة رئاسة الندوة وتحمُّل مسؤوليتها، بما أنها صاحبة المقترح ولديها من الرؤية والحماس ما يضمن إنجاح المهمة، ومن لحظتها تولّت الدكتورة العمل على مدى أشهر مستعينة بلجنة علمية من أخواتها الأستاذات الدكتورات: سعاد المانع ووسمية المنصور وفاطمة الوهيبي وبسمة عروس، ووضحاء آل زعير).
يتابع الدكتور الغذامي القص مبتهجاً برؤية النسق الذكوري البيروقراطي الفحل يتهاوى أمام مجالدة النساء وعزيمتهن:
(كنت أتحدث مع الدكتورة سعاد المانع مبدياً لها امتناني للجنة على العمل المذهل الذي بذلنه في سبيل تحقيق هذه المهمة، وكم هي رائعة هذه الأستاذة الراقية إذ راحت تحدثني بصدق وإخلاص عن زميلتها ورفيقة دربها الدكتورة نورة الشملان، وتقول الدكتورة سعاد إنّ التعب الحقيقي كان كله على عاتق نورة، وإنها هي التي ظلّت تسهر ليلها وتشقى نهارها متابعة ومخاطبة ومعقبة ومراسلة ومتصدية للعقبات تلو العقبات، وظلّت الدكتورة سعاد تقول لي: إننا نؤازر ونساعد ونقترح، ولكن نورة هي التي تحمّلت الأعباء وكابدت المشاق، واستمرت تكسر حجارات الطريق وتذلل وعثاءه).
وحيث يدفع الرجال الضعفاء بالنساء إلى ساحة وغى وهمية ليبقوا على سلطتهم وهيمنتهم ويشغلوا النساء عن التعاضد لإنجاز فعل مميز، فإنّ الغذامي الرجل القوي يعلي من قيمة التآزر بين النساء لأنّ في ذلك خلخلة للنسق السلطوي الذي يقصي النساء من مشهد الحراك والمبادرة:
(كنت أستمع إلى كلام الدكتورة سعاد وأشعر بهذه القيمة الأخلاقية العليا في الصدق وفي إعطاء صاحبة الحق حقها، وهنا فهمت سر نجاح هذه اللجنة، حيث كان التفاني والتعاون والتضحية بينهن هو قانون العمل، ولم تسع إحداهن لكسب السمعة الشخصية من وراء هذا المشروع المنهك والمبهج معاً، ولقد كان هذا التفاني والإصرار عليه هو المحرك الأساس في كل أمر من أمورهن).
الندوة الدولية هي إضافة حقيقية لكل من شارك أو حضر جلساتها، وتوثيق أبحاثها في كتاب سيعد مصدراً مهماً للباحثين الجادين في مجال مناهج البحث اللغوية والأدبية.
بقي أن أتمنى على وزير الإعلام بث تسجيل لهذه الجلسات على قناة الثقافية، ولدى القسم الاستعداد لإمداد القناة بتسجيل كامل للندوة التي امتدت لثلاثة أيام وعلى فترتين صباحية ومسائية، مرّ الوقت فيها سريعاً لثرائها المعلوماتي ولسخونة المداخلات والنقاشات. شخصياً استفدت كثيراً من هذه الندوة وأتمنى إقامتها كل عامين لأنها جديرة بذلك.
وأختم حديثي بالعبارة الأشهر في الندوة الدولية (شكراً دكتورة نورة الشملان)، لأنّ الأعمال القيّمة تستحق التقدير.
fatemh2007@hotmail.com