فشعار الأنشطة الثقافية في مهرجان الجنادرية لهذا العام هو (عالم واحد... وثقافات متعددة)، حيث سيشارك في هذه الأنشطة الثقافية 400 مفكر وعالم وأديب من كل أنحاء العالم في 20 ندوة ومحاضرة وأمسية شعرية، هذا النشاط الكبير الهائل الذي سيعكس واجهة حضارية للمملكة وسيستقطب الأنظار والعيون هل يمثل رؤية خادم الحرمين الشريفين تماماً؟ هل يتوافق مع رؤيته الإنسانية الشمولية الواسعة، أين التعددية والأرضية المشتركة التي يروج لها الشعار ونحن نعجز أن نبدأ بها من داخل الدار حيث أقصينا نصف المجتمع من خلال الأنشطة الخالية تماماً من مشاركة المرأة سواء كمدعوة خارجية أو كمحلية، بشكل لا يتوافق على الإطلاق مع قيمة وسام الملك عبدالعزيز الذي رشق على كتف امرأة موهوبة من هذا المكان، أو الحقيبة الوزارية التي سلمت للمرأة أو مديرة الجامعة أو رئيسة قسم الجراحة لن أكمل القائمة فيبدو أنها وضعت للترويج الإعلامي فقط.
هل سنستقطب مفكري ومثقفي العالم وصنّاع الرأي لنقول لهم إن هذه الأرض مجدبة لم تستطع أن تنجب امرأة واحدة بإمكانها أن تحتل حيزاً في البنيان الفكري والثقافي في المكان، وأبعدت وأقصيت وحصرت باتجاه نشاط ثقافي نسائي جانبي شحيح ومدرسي يشبه نشاط مركز اجتماعي في قرية نائية؟
الجنادرية هي نافذة مهمة وحساسة على العالم، والرياض في الأسابيع القادمة ستتحول إلى مركز للكثير من وسائل الإعلام الدولي التي بالتأكيد ستسأل عن تلك المخلوقة التي أشبعها الإعلام العالمي أساطير؟
حظيت الأسبوع الماضي بشرف حضور حفل توزيع جوائز الملك فيصل والمثول بين يدي خادم الحرمين الشريفين في محفل عام وكبير يعكس صورة المملكة النابض بالتقدير والإجلال لخدمة الإسلام والعلوم والثقافة، فكانت المرأة موجودة كمكرمة على المنصة، وكحاضرة من المدعوات تشارك وتدعم وتمثل جزءاً من المسيرة الحضارية للمملكة وسياستها, بالطبع هذا يعكس وعياً حضارياً وأيضاً إنسانياً.
ولكن مع قوائم الأنشطة الثقافية في مهرجان الجنادرية، فالأمر يستحق التأمل!!
المفارقة هنا أن يكون بين الحضور والمشاركين شخصيات عالمية مثل (توماس فريدمان)، وقد تجاوزت اللجنة المنظمة الخلفية الدينية لهذا الرجل (وهو أمر إيجابي يحسب للجنة المنظمة) لأن وجوده يدخل في منظومة حوار الأديان التي تسعى لها المملكة ولكن أين هذا التسامح والانفتاح تجاه النساء؟ أيضاً الآن هل سنضمن أن يمتلك هو نفسه نظرة إيجابية عن الندوات الموغلة في ذكوريتها والمقصية بجفاف أي وجود للمرأة؟ الخلفية الوحيدة التي سيعود بها هي أن النساء السعوديات منسدلات على الأرائك في الحرملك غبيات ومترهلات ومفعمات بالغرائز كما تحاول أن تعكسهن لوحات المستشرقين، في ظلم واضح للصورة الحقيقية للسعوديات كفاعلات منتجات يتوقدن حيوية وذكاء ورغبة في المشاركة بمسيرة النهضة التنموية.
أرجو ألا تكون المرأة هنا قد وقعت ضحية مقايضات معتادة مع أطراف متزمتة فكان إقصاء المرأة هو الصفقة التي مرت كون النساء هن الطرف والحلقة الأضعف التي يدفع بها عادة في مثل هذه المساومات نظراً لغياب الغطاء الاجتماعي والفكري الذي من الممكن أن يدعم حضورها وتمثيلها الثقافي.
عذراً الأنشطة الثقافية رائعة ومدهشة ولكنها قاصرة على أن تعكس رؤية خادم الحرمين، أو تمتلك الحساسية والحصافة التي تقرأ ما بين السطور وتبرز روح المرحلة.