يأتي أسبوع المرور الخليجي هذا العام تحت شعار (احذر أخطاء الآخرين)، وهو في الواقع جنون الآخرين، باعتبار أن الطرق والشوارع أضحت مخيفة جداً وكأنها ملك للمجانين لدرجة أن أصبح الراكب سائقاً كان أو رديفاً (مع وقف التنفيذ) يقرأ دعاء الركوب حال ركوبه ويحمد الله حال نزوله، بل قد يأتي اليوم الذي يبارك الناس لبعضهم عند وصولهم لأعمالهم أو عودتهم لمنازلهم، ولا يستبعد أن تبدأ شركات الاتصالات بوضع عروض رسائل sms تحت مسمى (أبلغوا حبايبكم بوصولكم سالمين)!
الهمَّ المروري هم الليل والنهار، لاسيما لمن فجعه القدر باختطاف حبيب له لازالت سيرته الزكية تعطر الأركان، وما فتئت رياح الصبا تهب برائحته مشفقة على أحبائه، ليستعيد المرء ذكريات طفولة جميلة بددها هادم اللذات، ومفرق الجماعات. ولعل الكاتبة بدأت تستعيد ذكرياتها في أسبوع المرور الخليجي السادس والعشرين وهو نفس الشهر الذي توفي فيه والدها إثر حادث مروري مروع بسبب مفاجآت غير محسوبة، فعليه رحمة الله تؤنس وحدته، ونرجو أن يخلف عليه شبابه في الجنة ويجمعنا به في مستقر رحمته.
ولعلها فرصة أن أشارك زملائي في الأمن العام باعتبار أن المواطن رجل الأمن الأول، ومشاركتي لا تقتصر على التفاعل مع هذا الأسبوع بتوجيه السائق بالقيادة الآمنة على الطريق؛ بل تتجاوزها للمساهمة في التوعية لحماية الأرواح من المخاطر الناتجة عن الرعونة والاستهتار وعدم التقيد بقواعد وآداب المرور.
وقيادة السيارة قبل أن تكون فناً وذوقاً وأخلاقاً، هي تربية وقدوة بكل ما يعنيه مصطلح تربية، وكل ما تشير إليه عبارة قدوة. فالطفل يطبق ما يشاهده من سلوك وتصرفات والده وينفذ توجيهاته حين يعلمه أصول القيادة واحترام الآخرين بما فيهم الطريق. لذا أصبح من المحتم توجيه الوالدين للقيام بدورهم التربوي في تأصيل القيم والمبادئ ونزع بذور الأنانية من نفوس الأبناء حيث تظهر جلية أثناء قيادة السيارة، ومنها يبدأ الإيذاء ولا تنتهي بالمضايقات. ودور الوالدين يكمن بتغيير سلوكيات الأبناء المكتسبة من خارج المنزل والتي غالباً ينتج عنها حادث مروري قاتل قد يكون سبباً في زيادة أعداد الوفيات أو ازدياد عدد الإعاقات التي تزلزل كيان الأسرة والمجتمع، حتى أصبحت المعاناة منها دائمة.
ولئن كان أسبوع المرور الخليجي الموحد يقام سنوياً منذ عام 1984م وفيه يتم اختيار شعارات تحمل الكثير من الدلالات والمعاني لحماية مستخدمي السيارات والطرق؛ فإن شعار هذا العام (احذر أخطاء الآخرين) يحمل دلالات ترمي لضرورة تحمّل المسؤولية، وعدم الاعتماد على ذكاء الآخرين أو شهامتهم بل ليؤكد أهمية الحذر من أخطائهم وتجاوزاتهم وجنونهم وضرورة الانتباه لمفاجآت الطريق.
وهي مناسبة لنزجي شكراً عاماً لإدارة المرور على جهودها الخرافية في سبيل تعميق الشعور بالمسؤولية برغم الانتقادات الحادة من لدن الجمهور الذي أجزم أن أغلبهم من قائمة المخالفين والمستهترين الذين يحمّلون المرور أخطاءهم ويشتكون من قسائم المخالفات. والحق أنني لازلت أرى أن رجال المرور (موسعين الصدر) على فئة يمكن أن يطلق عليهم (الفئة الضالة) دون تحفظ بسبب ما نراه من تجاوزات وقطع للإشارة واستهتار بأرواح البشر، ثم يأتي من يقول (يا خوي وين المرور؟ ليجيبه الآخر بتهكم وسخرية: مشغولين بكتابة القسائم) وليتهم كانوا كذلك، لما رأينا تلك الرعونة وهذا الاستهتار!
ولندرك جميعاً أنه لا يمكن زرع جندي مرور عند كل إشارة، أو وضع قوات أمنية لملاحقة المستهترين. لذا كان من المجدي الاستعانة بأشخاص متطوعين ذوي ثقة وتحمّل للمسؤولية وإخلاص للوطن وحب للناس؛ ليكونوا عيناً للمرور وعوناً لهم بشرط أن لا تكون تلك العين مثل عين النظافة التي يبذل المتطوعون جهدهم ووقتهم للإبلاغ عن المستهترين، ويتفاجؤون أن العقوبات لا تطبق بحق المخالف حيث يكتفى بعبارة: لا تعودها مرة ثانية أو نقطع آذانك!!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com