أشار سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض في حديثه الذي ألقاه أمام ضيوف معرض الرياض الدولي للكتاب 2010م يوم الثلاثاء الماضي إلى أن السعودية أول دولة توحد أغلب أراضي شبه الجزيرة العربية بعد عهد الخلفاء الراشدين، حيث قال سمو الأمير سلمان: «المملكة تشكل الجزء الأكبر من شبه الجزيرة العربية، وقامت الدولة السعودية الأولى وانتهت بعوامل خارجية، ثم قامت مرة أخرى، وأقام الملك عبدالعزيز -رحمه الله- هذه الدولة سنة 1319هـ 1902م» ... وفي موقع آخر قال سموه: «المملكة قامت على أقاليم كثيرة من الجزيرة العربية، وتوحدت -ولله الحمد. وهنا أقول إنه بعد الخلافة الراشدة في الجزيرة العربية أول دولة توحد شبه الجزيرة العربية هي هذه الدولة... أتكلم كمسؤول أو كمواطن مهتم وحريص على الحفاظ على هذه الوحدة، التي كل الأعراق والأقاليم اندمجت فيها، وأصبحت بلداً واحداً والحمد لله... والآن في البلدان العربية كلها ستجدون الأغلبية من الموجود لمن هي أعراقها من هذه الجزيرة العربية بعد الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام في آسيا وأفريقيا». انتهى (جريدة الجزيرة الخميس الماضي).
الأمير سلمان في حديثه عن تاريخ الجزيرة الحديث والقديم يفتح باب حوار جديد لأساتذة التاريخ والاستيطان وللباحثين. فالأمير سلمان يتميز بأن لديه إلماماً كاملاً بتاريخ الجزيرة العربية، ويعد سموه راصداً ومحققاً دقيقاً للمخطوطات التاريخية، ويتميز بأنه يقرأ التاريخ المحلي من خلال الآفاق السياسية والعسكرية الضاغطة على الجزيرة العربية بتأثير الدول العظمى المؤثرة على تاريخ المنطقة في تلك الحقبة المبكرة من تاريخنا، مثل الدولة العثمانية وبريطانيا والبرتغال.
الأمير سلمان يدعونا إلى نقطة مركزية في البحث العلمي وفهم التاريخ، لكي تنطلق قراءتنا وتحليلاتنا من داخل بلادنا حتى نفهم البنية التي قام عليها تاريخ الجزيرة العربية من بعد الخلافة الراشدة في النصف الأول من القرن الإسلامي الأول عندما انتقلت عاصمة الخلافة من المدينة المنورة إلى دمشق ثم بغداد ومن ثم القاهرة... وهذا ليس تحيزاً لجغرافية بلادنا وإنما لملامسة الحقيقة. فلا يمكن فهم تاريخ بلادنا من خلال ما يكتبه أهل الشام أو العراق أو المغرب الأقصى أو أهل صنعاء أو أهل الشمال الأفريقي، مع تقديري العميق لمن يكتب تاريخنا من وراء البحار أو الرحالة المغامرين أو موظفي وزارات الخارجية في أوربا والهند... تاريخ بلادنا، وإن كانت العواصم السياسية في الخلافة الإسلامية بعيدة عن جزيرة العرب، وإن كنا نحن في حكم التابعين للخلافة، لكنه ليس مقبولاً أن يفهم تاريخنا المحلي من خلال بغداد أو دمشق أو القاهرة أو صنعاء أو من الظهير الشرقي في فارس وبلاد السند وديار العجم.
يا سمو الأمير، حرصاً على كتابة تاريخنا الاجتماعي والاستيطاني والسياسي الحديث، لنجعل من عام 1157هـ 1744م بداية قيام الدولة السعودية هو المرتكز في التدوين، لأن سجله التاريخي والاجتماعي والاستيطاني بين أيدينا. وهذا يدعونا إلى أن نفكر في الاحتفال بقيام الدولة السعودية قبل أكثر من 250 سنة، ونحتفل بمرور ربع الألفية على قيام الدولة، ويرافق ذلك ندوة كبرى يتم استعراض الدويلات التي قامت في الجزيرة العربية من بعد العهد الراشدي حتى العصر الحديث في الجزيرة العربية -يؤرخ بداية من قيام الدولة السعودية الأولى منتصف القرن الثاني عشر- من أجل إبراز الحقيقة التي ذكرها الأمير سلمان. وهي: أن السعودية أول دولة توحد (أغلب) شبه الجزيرة العربية بعد الخلافة الراشدة. وهو العمق التاريخي والسياسي الذي نحتاجه لحماية بلادنا تاريخياً من الادعاءات والتطاولات والزيف من بعض الكتاب والباحثين.