تحليل - وليد العبدالهادي
كانت أوروبا نموذجا اقتصاديا فريدا من نوعه، لكن مع ظهور الأزمة المالية أصبح مصيره الأرشيف بعد أن تم رصد مؤشرات تدل على أنها في مرحلة (بداية النهاية)، والسبب أن غرفة التحكُّم الاقتصادية تعطلت لأسباب عدة، أهمها أنها فقدت سمة الاعتماد على النفس؛ حيث لم تستطع دعم اليونان بخلاف المتعثرين الأقل تأثرا مثل البرتغال وإيطاليا وإسبانيا. أيضا جدل وخلاف مفلس بين الأحزاب السياسية في لندن بشأن الاقتصاد، والبديل غير جاهز، كذلك أصبح عملاتها (اليورو والجنيه) لا تدعم تجارة القارة لا بصعودها ولا بهبوطها (عالة اقتصادية)، حتى القطاعات وأبرزها البنوك لا تلعب دورا رياديا في توجيه الأسواق، بل أصبحت مهددة هي ودولها بقصص تعثر جديدة حذرت منها مؤسسات للتصنيف الائتماني مثل (موديز)، ومعظم دول القارة تخطى عجزها 3 %، وهو أحد مواد الدستور الاقتصادي هناك. ولمزيد من التفصيل دعونا نأخذ جولة اقتصادية نروي خلالها أحداث هذا الأسبوع؛ لنعرف ماذا يدور خلف أهم العملات الأجنبية في العالم:
الدولار الأمريكي:
زحام في حركة التداول، وتظهر فوضى في صفقات البيع والشراء، والضحية مستوى 80 أمام سلة عملاته، حيث العواطف تتسيد الموقف والشموع المفصلية تملأ المكان وقليل من يترقب خارج الأسوار، والسبب هالة حول العملة تفيد بأن هذا العام هو عام (الدولار)، لكن يظل مستوى 78 هدفا قد يمتص عمليات جني للأرباح متوقعة، أما الشريك الآخر له وهو الذهب فوضع في منطقة طاردة للمتحوطين في مشهد يندر حدوثه، ولا يزال يسير في قناة جانبية تميل للهبوط، ومستوى 1,050 دولار للأونصة مصير متوقع له، والمؤثر الأكبر في السوق هو تصريح الصين بأنها غير مهتمة بزيادة احتياطاتها منه حاليا، وتصريح صندوق النقد بعزمه في البيع على المدى القصير، وهو ما انعكس بمسار جانبي محير على الحركة الفنية. أما الذهب الأسود (النفط) فيُظهر تفاؤل المتداولين بهبوط الدولار؛ حيث قاموا بزيارة لمستوى 82 دولارا للبرميل، والسبب يعود إلى إعلان وكالة الطاقة الأمريكية بأن مخزوناتها من النفط ارتفعت إلى 1,4 مليون برميل دون التوقعات مع نمو الواردات الصينية في فبراير 44,7 %، لكن أقل من القراءة السابقة، ويرجح استمرار التناوب بين هذا الثلاثي إلى الأسبوع القادم.
أما بشأن البيانات الاقتصادية فلم تكن وفيرة هذا الأسبوع سوى أن ائتمان المستهلك ارتفع بشكل مفاجئ، تفاعل معه تجار الأسهم بارتداد لا بأس به، وننتظر مع نهاية الأسبوع صدور أرقام الميزان التجاري وطلبات الإعانة، إضافة إلى مبيعات التجزئة حيث يتوقع أن تحظى طلبات الإعانة أهمية كبرى مع نظرة تفاؤلية بسبب الأداء الإيجابي الأخير لسوق العمل.
اليورو مقابل الدولار الأمريكي:
نفس عميق امتص تطرف البائعين في الزوج، ومهمته القادمة اختراق مستوى 1.37، حيث سيكون بوابة التعويض إلى مشارف 1.41 خلال بضعة أيام قادمة، تمخض منه نمط سلوكي شرائي على الفاصل اليومي (رأس وكتفان مقلوبان) يكتمل تكوينه بتخطي 1.37.
الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي:
المضاربون العقلاء يغضون الطرف عنه، والسبب هو رغبة الزوج في توسيع عرض القناة الهابطة؛ ما قد يعصف بالمراكز المفتوحة ويظل عالي المخاطرة طالما لم يعود فوق الخط الأخضر.
الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني:
أبرز أحداث الزوج على الحركة الفنية وتشير مؤشرات العزم إلى أن هناك فرصة تلوح في الأفق وهي تسارع في الخطوات نحو الاتجاه الصاعد، أحد أهم شروطه تجاوز نقطة 91.3، حينها تتضح النوايا المبيتة، لكن يرجح أن تكون شرائية بامتياز.
اليورو:
الإنتاج الصناعي الألماني ينمو في يناير 2,2 % مقارنة بالقراءة السابقة التي هبطت بنسبة 7 % مدعوما بأداء متألق لقطاع الطاقة والصناعات الاستهلاكية، وأسعار المستهلكين لشهر فبراير كانت محايدة؛ حيث لم تُظهر رقما يرجح لنا النمو، حتى الميزان التجاري ليناير قلص الفائض إلى 8 مليارات يورو بسبب نمو الواردات إلى 6 مليارات يورو وتراجع في الصادرات، ولم تأتِ ألمانيا بأرقام مفاجئة تغير من مسار أسواقها المالية، لكن دعونا نركز على ما يحدث الآن في اليونان حيث الفوضى السياسية والمظاهرات الاحتجاجية على خطة التقشف من رئيس وزرائها التي أحدثت شللا في حركة النقل ومعظم المحتجين ممن يعملون في القطاع الحكومي وقطاع السياحة والترفيه.
الجنيه الإسترليني:
بريطانيا واليونان تتسابقان نحو (الانكماش)؛ حيث بلغ عجز الأولى 12,5 % عند نفس المستويات في اليونان، حتى الميزان التجاري لشهر يناير وصل عجزه إلى 7,9 مليار جنيه مقارنة بالعجز السابق 7,2 مليار جنيه، لكن ضروري أن نركز مستقبلا على أداء قطاع الخدمات؛ لأنها تشكل الثقل الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي، ولم يتألق من التقارير والبيانات الاقتصادية سوى الإنتاج الصناعي الذي ظهر بنمو سنوي 0,2 % مطلع يناير مقارنة بانكماش العام الماضي 1,9 %، لكن ذلك لا ينفع كثيرا في فتح شهية المستثمرين، والسبب أن هذا القطاع لا يحتل وزنا كبيرا في الاقتصاد، وتم رصد بعض الأعراض الجانبية لهذا الاقتصاد، أبرزها: جدل وخلاف على شاشات التلفاز بين حزب المحافظين الذي ينتهج سياسة شد الحزام وخفض معدلات الإنفاق الحكومي وحزب العمال الذي يرى نقيض ذلك، ولا مجال له للتراجع مع قُرْب الانتخابات. هذا، ويظهر أن القيادة الاقتصادية مفقودة والبديل غير جاهز، والأمر الآخر باتت العملة الملكية لا تفيد الاقتصاد لا بانخفاضها ولا بارتفاعها بعكس ما يحدث في الدول الأخرى كأمريكا واليابان، أيضا قطاع الخدمات وخصوصا العقار القائد اقتصاديا لا توجد في أرقامه ما يوحي بأن هناك مزايا تنافسية تمنحه استمرارية في القيادة أو حتى قطاعات واعدة توجه دفة الفريق الاقتصادي هناك، وأخيرا مؤسسات التصنيف الائتماني تحذر من تعثر واسع قد يصيب البنوك التجارية ويمتد إلى دول كبرى في القارة الموحدة، ويبدو أن بداية النهاية للقارة ستكون في 2010م إن استمر الحال على ما هو عليه الآن.
الين:
يستمر الحساب الجاري في التحرك بالمنطقة الموجبة حيث حقق فائضا مدعوما من الصادرات التي نمت 8,7 % عن شهر يناير، والصين معروف أنها أكبر مستورد لها، تزامن ذلك مع نمو في حركة النقل لأمريكا، وطلبات الآلات الصاعدة للشهر نفسه تنكمش بنسبة 3,7 %، أتى ذلك بعد نمو بنسبة 20 % جاء بتأثير واضح من تراجع معدلات الاستهلاك وفق الأرقام الأخيرة نهاية العام، أيضا لا ننسى التراجع في فائض الميزان التجاري للصين في شهر فبراير بقيمة 7,6 مليار ليوان بعد تحقيقه 14,1 مليار ليوان بسبب تراجع الواردات الناجمة من سياسات الكبح في البنك المركزي. وبشأن الناتج المحلي الإجمالي للربع الرابع على المقياس السنوي نما 3,8 % مقارنة بالقراءة السابقة التي نما فيها 4,6 % ويظهر تراجعا، لكن لا يزال منتعشا. مجمل هذه المعطيات ساهمت في دعم أسواق الأسهم هناك وإضعاف الين أمام الدولار، وهذا ما يفضله المخاطرون حالياً.
(تم إعداد هذا التقرير منتصف جلسة الأسواق اليابانية يوم الخميس الساعة 4 صباحا بتوقيت جرينتش)