Al Jazirah NewsPaper Saturday  13/03/2010 G Issue 13680
السبت 27 ربيع الأول 1431   العدد  13680
 
مجداف
المحافظ وصاعقة الكهرباء!!!
فضل بن سعد البوعينين

 

جرت العادة، في الثقافة الغربية، أن يستخدم الساسة والاقتصاديون جملة (ليس على حد علمي Not to my nowledge) لنفي أسئلة الصحفيين بطريقة دبلوماسية تمنحهم خط رجعة في حال ثبوت صحة الخبر، فيكون النفي منصباً على علم المُتحدث، لا أصل القضية التي ربما تكون صحيحة إلا أن خبرها لم يصل المسؤول بعد.. فتعمُّد تضليل الرأي العام، عن قصد، أمر لا يغتفر مهما كانت أسبابه.

معالي محافظ هيئة تنظيم الكهرباء نفى في اتصال خاص أجرته معه جريدة (الجزيرة) ونُشر بتاريخ 8-3-2010 خبر تطبيق فروع الشركة السعودية الموحدة للكهرباء اللائحة الجديدة لأسعار العدادات، بقوله: (لا صحة لذلك)، وأشار إلى وجود (دراسات مستمرة لم تنته بهذا الخصوص)!.

أحد المشتركين تقدم للشركة السعودية الموحدة للكهرباء، مطلع الأسبوع الماضي، من أجل سداد فاتورة بقيمة 23.904 ريالات تمثل تكلفة 16 عداداً من فئة (60 أمبيراً)، فامتنع مسؤول التحصيل قبول سداده بسبب تغيُّر التعرفة.. أخبره بأن المبلغ الواجب دفعه، وفق التعرفة الجديدة، هو 79.950 ريالاً تقريباً. الزيادة المطلوبة تفوق في مجملها 236 في المائة مقارنة بالأسعار القديمة التي نفى معالي المحافظ تغيُّرها!. مشترك آخر أُبلِغَ بوجوب دفع 198.000 ريال كرسوم وفق التعرفة الجديدة، خلافاً للمبلغ المتوقع دفعه وهو 56.000 ريال وفق التعرفة القديمة!!.

بغض النظر عن نفي معالي المحافظ، أجد أن تطبيق اللائحة الجديدة لأسعار العدادات بدأ فعلياً الأسبوع الماضي، وهو ما أشار له الزميل (عبد الكريم الشمالي) بكل دقة ومصداقية.. الزيادة في تعرفة العدادات تعتمد في الأساس على معادلة خاصة مرتبطة بمجمل الأحمال يحسبها برنامج كومبيوتر تم تعميمه على فروع الشركة، ومن خلاله يمكن الحصول على الرسوم النهائية التي لا تقل الزيادة فيها عن 200 في المائة بالنسبة لفئة الستة عدادات وأعلى.

يبدو أن شركة الكهرباء أرادت أن تستقطع نصيبها من جيب المستهلك المثقل بالديون، لا الأموال، دون التمعن في سلبيات القرار وانعكاساته الخطرة، فنسبة الزيادة لا تتوافق مع آلية تغير الأسعار الطبيعية وتدرجها على أساس أنها تفوق التعرفة الأصلية بنسبة 200 في المائة.. تعرفة العدادات الحالية ليست (مُبتذلة) لتفرض عليها تلك الزيادة الفاحشة، ولو سلّمنا جدلاً بعدم عدالة التعرفة الحالية.. فالتدرج في زيادة الرسوم بنسب معقولة، هو الإستراتيجية المتبعة في جميع دول العالم.

يعاني المجتمع السعودي من أزمة إسكان خانقة تسببت في ارتفاع تكلفة المنازل، وإيجاراتها، ما يعني أن زيادة التعرفة الجديدة ستؤدي، بالتبعية، إلى زيادة في أسعار الإيجارات، وتكلفة المنازل، وربما أدت إلى تعثُّر الكثير من المشروعات العقارية الحالية بسبب ارتفاع تكلفة إيصال التيار الكهربائي وعدم قدرة الملاَّك على توفيرها، ما يعني زيادة في مُعضلة الإسكان.

في الجانب الاستثماري تُعتبر التكلفة الجديدة للعدادات من المصاريف الإضافية التي ربما بلغت 25 في المائة من التكلفة الكلية، ومثل تلك التكلفة غير المحسوبة، قد تحوّل المشروعات الرابحة إلى مشروعات خاسرة لأسباب لا علاقة لها بدراسات الجدوى، بل لارتجالية القرار الإستراتيجي الذي أقدمت على تنفيذه شركة الكهرباء، وبذلك تكون الشركة قد أضرت بمصالح المواطنين والمستثمرين لتحقيق مصلحتها الخاصة.

في الأسواق التي تُحتَرم فيها مصالح المستهلكين، تُلزم الشركات بالإعلان عن تغيرات التعرفة قبل تنفيذها بفترة زمنية كافية.. لذا كان من المُفترض أن تنتهج شركة الكهرباء أسلوب الإعلان المسبق عن التغييرات الرئيسة في تعرفة العدادات لفترة لا تقل عن 12 شهراً، بحيث يصبح الجميع على اطلاع تام بانعكاساتها على مشروعاتهم المستقبلية، ولضمان العدالة في إيصال المعلومة المؤثرة، وألا يُسمح باستغلالها من قبل النافذين ممن تتهيأ لهم المعلومات الداخلية، إضافة إلى أن فترة الإمهال قد تكشف عن عيوب القرار الذي لم تكتشفه (لجنة دراسة التغيير) التي قدمت مصلحة الشركة على مصالح المواطنين.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالتغيرات الحادة في رسوم الخدمات المقدمة من قبل الشركات المحتكرة، كشركة الكهرباء، ينبغي ألا تترك لاجتهادات (خبراء) الشركة، ووزارة المياه والكهرباء الباحثين عن زيادة الدخل، وسد فجوة المصروفات بمعزلٍ عن مصلحة المواطنين، بل يُفترض أن ترتبط المتغيرات الرئيسة في الرسوم الاحتكارية بقرارات مجلس الشورى الجهة الأكثر أهلية وقدرة على تحقيق التوازن بين مصلحة الوطن والمواطنين.

أعتقد أن الشركة السعودية الموحدة للكهرباء لا تعاني من مشكلة في إيراداتها المالية، بل مشكلتها تكمن في ضبط النفقات، وقدرتها على تحقيق الكفاءة القصوى في الإدارتين المالية والإدارية، لذا من غير المنتظر تحقيق التعرفة الجديدة تغيراً يُذكر في مستوى الربحية وكفاءة الأداء والقدرة على إنتاج الطاقة بكميات تحول دون تكرار انقطاعها صيفاً.

أعتقد أن الشركة السعودية الموحدة للكهرباء في حاجة إلى تغيير الهيكلة الإدارية، وضبط المصروفات أكثر من حاجتها إلى زيادة الدخل من خلال رفع الرسوم، وهي زيادة لن تلبث أن تتبخر بمجرد اختلاطها بالإيرادات الأخرى، دون تحقيقها المنفعة المرجوة!!.

مهما كانت المبررات التي مُرِرَ بموجبها قرار الزيادة الفاحشة، أعتقد أن القرار ولِدَ متضخماً، ومشوهاً، لذا ننصح (والدي) القرار التضحية به قبل أن يكون (مُصيبة) على المجتمع، وسبباً في شقاء المواطنين وتعاستهم.

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد