كتبت الأسبوع الماضي عن افتقارنا إلى وجود أسلوب ومنهجية إدارية عربية، أو إسهامات إدارية عربية عالمية، وذلك كنتيجة طبيعية لوجودنا في مجتمع لا يحفز على ذلك إطلاقاً، وكنتيجة لانعدام الثقة في عقولنا العربية.. وكان للمقال ردة فعل من القراء والزملاء منهم المؤيد ومنهم المعارض، ولكن دعوني أطرح الموضوع مرة أخرى، وأستشهد ببعض الأدلة التي زودني بها بعض الزملاء، والتي تبيّن أننا فعلاً على حد (قوله) نفتقد إلى مساهمات إدارية عربية عالمية في عصرنا الحديث، مساهمات نستطيع أن نطلق عليها مساهمات عالمية، رغم يقيني بأننا نملك عقولاً إدارية عربية تفوق وبمراحل أصحاب تلك النظريات والمساهمات الغربية، واليابانية، والهندية وغيرها، وقادرة على الابتكار والإبداع الإداري متى ما توفرت البيئة المناسبة، وتحررت تلك العقول من القيود التي فرضتها عليهم البيئة وأنفسهم.
من تلك الأدلة التي تؤيد افتقارنا إلى مساهمات عربية حديثة، ما نشرته جامعة الدول العربية ممثلة بالمنظمة العربية للتنمية الإدارية حديثاً كتاب: «علماء الإدارة وروادها في العالم، سير ذاتية وإسهامات علمية وعملية» للدكتور إبراهيم الملحم، والذي استعرض فيه المؤلف السير الذاتية والإسهامات العلمية والعملية لأكثر من مئة عالم ومفكر إداري على مستوى العالم أسهموا وأثروا الفكر الإداري، ولكن للأسف عند تصفحك للكتاب وتقليب صفحاته لن تجد من بينهم عالماً أو مفكراً عربياً، فالكتاب ينتقل من ودرو ويلسون وماري باكر فوليت وتايلور في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى هنري فايول، وماكس فيبر في أوروبا، إلى أوشي وليم، وأوهيمو كنشي في أقصى المشرق.. وأيضاً ما نشره معهد الإدارة العربية: «مؤلفات كلاسيكية في الإدارة العامة»، والذي يستعرض الإسهامات الإدارية من أواخر القرن التاسع عشر إلى القرن الماضي، لن تجد بين صفحاته إن قلّبتها اسماً أو عالماً عربياً.
لا أحد ينكر دور العلماء الغربيين في تطور علم الإدارة، بل إن علم الإدارة كعلم مستقل بذاته لم يكن موجوداً حتى منتصف القرن الماضي، كان مواضيع ومقالات متفرقة في عدة حقول، في السياسة، في الاقتصاد، في القانون، في الاجتماع وغيرها من العلوم الأخرى، ومع تطور ونمو العلم، جُمعت تلك المواد والمواضيع المتفرقة في مادة واحدة، ومع مرور الزمن والإسهامات الإدارية الغربية، تم استحداث برامج في العلوم الإدارية في السنة الأخيرة ضمن العلوم السياسية يتخصصها الطلاب في السنة الأخيرة أثناء دراستهم للعلوم السياسية، إلى أن كتب الأستاذ الأكاديمي والرئيس الأمريكي السابق ودرو ويلسون مقالته المشهورة التي كتبها قبل أكثر من مئة سنة، في عام 1887م بعنوان: «دراسة الإدارة «، والتي دعا فيها إلى فصل الإدارة عن السياسة، والتي على أثرها فُصل علم الإدارة كعلم مستقل بذاته له برامجه ومواده وتخصصاته، ودرجاته العلمية وكلياته.
فالإسهامات الغربية جلية وواضحة، ولا أحد ينكر تلك الإسهامات في شتى المجالات، وعلم الإدارة بشكل خاص، ومن ينكرها فهو شخص يغالط الحقيقة، وشخص لا يرى شيئاً، كما أن للعلماء العرب والمسلمين إسهامات من قبل في مختلف العلوم، وعلم الإدارة بشكل خاص، كالماوردي، وابن تيمية، وابن خلدون، وابن الأزرق، وغيرهم، وقد استعرضنا شيئاً من تلك الإسهامات في مقال سابق.
ولكن أعتقد أنه آن الأوان أن نبدأ بالتغيير، ونعيد زرع الثقة في عقولنا، وأن نوجد البيئة المشجعة، والمحفزة على الابتكار والتطوير، وأن نحرر تلك العقول من قيودها لننطلق في سماء الإبداع، والابتكار، والإسهامات العالمية، التي نستطيع بعدها أن نقول: إننا نملك إسهامات عربية إسلامية عالمية في علم الإدارة، سواء كانت علمية أو عملية.. فلنبدأ بالتغيير، ونبدأ من أنفسنا، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)، اجعل من نفسك التغيير الذي ننتظره جميعاً.
alaidda@hotmail.com