من الموضوعات المتكررة في صحافتنا منذ عقود وتتكرر بصفة منتظمة في أعمدة الأخبار وفي صفحات ومقالات الرأي موضوع تهور الشباب ومجازفاتهم على الطرق التي تقضي على أنفس عديدة وممتلكات
كبيرة.. وإدارات المرور في بلادنا حريصة على أن تقضي على هذه الظاهرة أو على الأقل تحد منها.. ونشاهد جهودا إعلامية في التوعية وجهودا عملية في الطرقات من الدوريات والمرور السري وكمرات المراقبة وغيرها..
ولكن يبدو أن إحدى نقاط الخطر التي بدأت تستهوي العديد من المتهورين في مدينة الرياض هي على طريق الملك عبد الله أمام جامعة الملك سعود.. فأصبحت هذه النقطة مرتعا لأرتال من السيارات والجمهور الذي يأتي قصدا لمشاهدة مناورات هؤلاء الشباب على الطريق الرئيسي.. واصبح مرتادو هذه المنطقة معرضين بصفة يومية لحوادث متوقعة وربما تكون مأساوية ومهددة للأرواح والممتلكات والسلامة العامة.
وقد كانت بدايتهم من دوار الكتاب داخل جامعة الملك سعود، حيث كان مساحة يتوجه إليها الشباب من أنحاء مختلفة في الرياض لممارسة هواية التفحيط الليلية والنهارية، ولكن المساء هو الوقت المفضل لهم.. وتنبهت إدارة الأمن والسلامة بالجامعة إلى هذه المشكلة التي يعاني منها منسوبو الجامعة ومرتادوها، فوضعت على هذا الدوار الرئيس في الجامعة مطبات اصطناعية في أربعة مواقع داخل الدوار، كما وضعت مطبات في الطرق المؤدية إليه.. ونجحت الجامعة في «التنغيص» على هواة المخاطر ومحبي التهور من الشباب.
ولكن مع الوقت تحركت هذه الجموع الكبيرة إلى طريق الملك عبد الله أمام الجامعة، حيث توجد محلات تجارية ومطاعم وجمهور من الناس.. ووجد هولاء ضالتهم في هذا المكان الذي يهيئ لهم جمهورا مصطفا ينتظر تهوراتهم ومخاطرهم على أنها عمل فني أو احترافي يستحق المشاهدة.. ولكن الحقيقة أن هذه الأعمال عرضت وتعرض يومياً آلاف مرتادي هذه المنطقة الحيوية القريبة من الجامعة إلى مخاطر كبيرة، وإزعاجات هائلة، تمتد إلى الساعات الأخيرة من الليل.
وكان مرور الرياض قد فطن إلى هذه المشكلة في وقت مضى، ووضع نقطة تفتيش استبشرنا بها لأنها حدت من هذه التحركات الشبابية غير المسؤولة.. ومع توقف هذه النقطة التفتيشية عاد الشباب مرة أخرى إلى مناوراتهم الليلية.. وحتى عندما كانت موجودة كانت هذه المخاطرات تبدأ مع نهاية موعد النقطة الأمنية في تلك المنطقة وتمتد إلى تباشير الفجر الأولى من الصباح. ويسهر أهالي سكن جامعة الملك سعود المنسوبون والطلاب على أنغام تفحيطات الليل المتأخرة التي تجلجل في الآذان وكأنها في فناء المنزل أو ساحة المبنى.
ونتساءل نحن ممن يسكن داخل الجامعة أو من يسكن في الأحياء القريبة، كيف نخرج من هذه الأزمة التي أصبحت تهدد سلامة الجميع بمن فيهم أصحاب المشكلة ممن يعرضون أنفسهم وغيرهم لمخاطر كبيرة لا يعلمها إلا الله.. ما نحتاج إليه من إدارة مرور منطقة الرياض الالتفات الحقيقي إلى هذه المشكلة التي تستلزم تدخلا فوريا ومستمرا لمنعها وردع من يتسبب فيها. فقد باتت المشكلة أرقا يهدد سكان المنطقة وبدأ الناس يتحاشون المرور بها على الرغم من وجود الخدمات التي يحتاجون إليها فيها..
إن نقاط التفتيش المستمرة ربما تكون الحل، ولكن المهم كذلك أن ينشط المرور السري في هذه المنطقة وخلال ساعات الليل الأولى والأخيرة؛ حتى يتمكن من ضبط المخالفين ومسببي الإزعاج العام في المنطقة.. كما أنه من المتوقع أن هناك شللا من الشباب متواصلة فيما بينها، فلو تمكن المرور من ردع البعض فلربما يرتدع الباقون.. كما أن الكاميرات يجب أن تكون موجودة ومفعل دورها في هذه التقاطعات بشكل يحد من مثل هذه الاستهتارات الكبيرة بسلامة الناس والممتلكات.. لست من أنصار المطبات الاصطناعية كثيرا وخاصة في طرقات عامة ورئيسة، ولكن آخر الحلول الكي فقد تكون هذه المطبات حلا ينقذ سكان المنطقة من مخاطر ومهالك عليهم وعلى أبنائهم..
وأخيرا نعلم وندرك جهود إدارة مرور منطقة الرياض خاصة خلال السنوات الماضية في ردع التهور وتقليص الأخطار في محيط هذه المدينة الكبيرة المترامية الأطراف، وقد نجحوا فعلا في كثير من الأمور ومن بينها الحد من قطع الإشارات والسرعة على الطرقات الرئيسة خاصة الخطوط الدائرية.. ولكني اوجه نداء لمرور الرياض أن يتصدى لهذه المشكلة ويوقف المتسببين فيها.. وسينالهم الدعاء والشكر والتقدير.
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية
أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkami@ksu.edu.sa