مع أن هناك بصيصاً من الضوء نحو قبول العمل الفني التشكيلي السعودي عند قاعات العرض العربية المقامة في بعض الدول الخليجية ومنها إمارة دبي وأبوظبي المؤطرة بشروط يتقدمها الإيجار والنسبة المقتطعة في حال بيع الأعمال المعروضة بالقاعة ومع ذلك ما زال مبدأ (الرفض) قائما، ومن المؤسف أن تصل الأمور إلى مرحلة يمكن وصفها بالاستجداء، عندما يرغب بعض التشكيليين السعوديين في إقامة معرض في إحدى تلك القاعات، وقد يكون لهذه القاعات مبررات تجاه أولئك التشكيليين المتقدمين بطلب العرض فيها؛ لتدني مستوى الأعمال أو عدم مناسبتها لخط أو توجه تلك القاعات التي تحرص على إرضاء زبائنها.
هذا الواقع المؤسف ينتج عن أسباب عدة منها افتقارنا لقاعات عرض منافسة لتلك التي في الدول الشقيقة، كما أن من الأسباب عدم تواصل التشكيليين السعوديين مع الآخر، ونعني به العالم القريب عربيا والبعيد في مختلف الدول، من خلال ما أتيح من سبل التواصل واهمها الإنترنت التي أصبحت وسيطا مباشرا بين الفنان وتلك القاعات وغيرها من نوافذ الانتشار، إضافة إلى قلة إنتاجية التشكيليين واعتمادهم على الدعوات المحلية التي تحفزهم على العمل في وقت معين ولمهمة محددة كما شاهدناها في كثير من المناسبات، حيث يطلب الفنان فترة زمنية تسبق المناسبة ليقوم بإنجاز أعماله وهذا لا يعني التعميم فهناك فنانون دؤوبون على العطاء، يعملون بشكل متواصل في وقت يومي يقتطعونه من ساعات عملهم وراحتهم ومشاغلهم الأسرية وهذه فئة تضحي كثيرا من أجل إبداعها.
أعود الى بيت القصيد، وهو كيف أصبح الفن التشكيلي السعودي بين مطرقة رفض القاعات قبول أعمالهم وهو مبدأ عالمي لكل ما هو عربي، وسندان الباحثين عن مكاسب الكنوز التشكيلية السعودية التي ظهرت بعض ملامحها في الآونة القليلة القريبة بأن وجد فيها المستثمر الغربي مجالا للكسب والتسويق من قبل مؤسسات غربية يديرها مختصون في مجال الفنون البصرية المعاصرة، أو لجذب المقتني السعودي لأعمال أخرى تقدمها تلك المؤسسات لمجرد وجود اسم فنان سعودي ضمن أعضاء المؤسسة أو من يتم عرض أعمالهم في القاعات التابعة لها، هذه الظاهرة عزف على وترها أسماء تشكيلية سعودية مع أنها محدودة جدا قد لا تتعدى أصابع اليد الواحدة رأوا فيها نافذة أو جسرا للوصول إلى العالمية من خلال اسم مؤسسة غربية أو شخص غير عربي، معيدين للذاكرة قوة تأثير الأجنبي التي أطلق عليها اسم (عقدة الخواجة) وتعني أن أي عمل لا يقوم به هذا الخواجة فهو فاشل.
هذه التبعية بينت حقيقة أهداف هؤلاء بعد اكتشافهم ما وصل إليه الفنان السعودي من قيمة إبداعية على المستوى العالمي، فأصبح كنزا يستحق البحث عنه فغاب عن البعض ممن تقبلوا عروض هؤلاء أن (الذئب لا يهرول عبثا) فكل ما يأتي من هؤلاء لا يزيدنا تميزا أو حضورا عالميا بقدر ما يطبع على المتعاملين معهم صفة السذاجة التي نستبدلها بكلمة (الطيبة)، كما علمنا من نتائج تؤكد ما وصل إليه هذا التعامل من اختلافات وخلافات برز بعض من دخانها للعيان نترك الحديث عنها لوقته المناسب، ومن المؤسف أن يأتي هذا التحرك نحو مثل هذه المؤسسات بشكل غير واضح المعالم ويتم تمريره عبر أفراد وشلل لا تعلم مدى تأثير هذا التعامل على الساحة، في وقت أصبح للفن التشكيلي السعودي مرجعية يتوجب على الجميع الالتزام بها لرسم خط آمن لهذا الفن؛ لئلا يحمل هذا التعامل مع الغير توجهاً قد لا يتناسب مع واقعنا ومع منهج ثقافة الوطن التي يعد الفن التشكيلي جزءاً مهماً فيها.
نحن هنا لا نقف أمام أي تحرك يخدم الساحة وليس هناك ما يحول دون تحرك الفنان خدمة لإبداعه، وهذا مطلب يجب أن يضعه التشكيلي أمام ناظره مساندة للجهات المعنية خصوصا الفنانين الذين تجاوزوا مرحلة البحث عن التشجيع إلى فضاء الاحتراف، على أن لا يكون هذا الفنان بمعزل عن قيم ومبادئ وطنه، بأن يجمع بين المصلحة الوطنية والشخصية خصوصا عندما ينتقل إبداعه خارج الحدود فيصبح وقتها سفيرا لوطنه بكل ما تعنيه الكلمة في تصرفاته الشخصية أو ما ينتجه، خصوصا في هذه المرحلة المهمة التي أصبح فيها الوطن رمزا واسما ينافس الآخرين في مختلف المحافل سياسة واقتصادا وثقافة، فأي عمل فني يتم عرضه خارج الوطن يرى ويقاس ويفسر بناء على أن من أبدعه فنان سعودي له خصوصيته وهويته التي أجاد في تحويلها إلى بصمة ناصعة البياض كثير من التشكيليين، من هنا علينا أن نضع الفن واجهة مشرقة صادقة واضحة المعالم بأي شكل وعند أي تعامل أو شراكة مع الغير بالحرص على فهم أهدافهم قبل أن نظهر إبداعنا بما يخالف منهجنا الذي نعتز به ونفقد القدرة على التراجع أو تصحيح الخطأ.
monif@hotmail.com