في مشهد مأساوي تجاوز حيز التنظير إلى حيز البعد الحركي، تبنت جماعة «الصدع بالحق ضد نادي التغريب والإفساد»، اعتداء يعتبر «الثاني» من نوعه، ضد نادي الجوف الأدبي بدون وجه حق، في سياق منظومة من المفاهيم المتطرفة،
تمثلت فيه السادية، وحب التدمير، والعبث بمنشآت الوطن، والخروج على أمن الدولة. وغرزت آثاراً سلبية ألقت بظلالها القاتم على مسيرة مجتمعنا النهضوي والتنموي.
هذا الانفلات الذي تطور إلى اعتداء، شكل واقعاً مقلقاً ومزعجاً. فما حدث يعتبر تعدياً على الحريات الثقافية والإعلامية التي كفلها النظام، وتجاوزاً على القيم والأخلاق، وهو أحد صور العنف المؤدي إلى الإرهاب. يمكن وصفه، بأنه: فعل إجرامي بعيد عن التحضر والتمدن، تمثل في إشاعة الرعب والتخويف المقترن بالعنف الأيديولوجي، من أجل انتزاع المطالب بالقوة، وإكراه الآخرين بالتنازل عنها، أو الاعتراف بها، عن طريق تقديس الفكرة الذاتية، وإلغاء الآخر.
أن يصل العنف اليوم إلى إحراق خيمة نادي الجوف الأدبي «مرتين»، فهذا هو منتهى التشبع العنفي لدى هؤلاء، الذين لا يعرفون سوى لغة التخريب والتدمير والعنف. وهو أمر مرفوض، إذ إن العنف جنوح عن الوسط إلى الطرف، وهو نتاج فكر منحرف، يتخذه الإرهاب وسيلة لتحقيق غاية، لا يأتي من فراغ، - وبالتالي - فإن الحاجة ماسة إلى مواجهة الفكر الضال بالفكر الصواب، عن طريق حلحلة هذه القناعات وتعريتها، متجاوزين الوسائل التقليدية في التوعية. إضافة إلى كشف الغطاء عن هؤلاء المتطرفين، وتجفيف مصادر التأييد الثقافي والاجتماعي والسياسي لهم. إن لغة الانفعال والتطرف، وفرض الرأي الواحد المؤسس على العنف والتخريب دون الرأي الآخر، تحتاج معالجته إلى زمن غير قصير، من أجل إقامة فريضة الحوار مقام لغة العنف، والدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، كما هو منهج القرآن، من دون ثغرات ومثالب ونواقص. وإذا سلمنا بهذا الأمر، فإن نقطة الانطلاق الصحيح ستكون بتكريس منهج الحوار، فهو: السبيل إلى تقريب شقة الخلاف، واحتواء التفاعلات السلبية، والتوفيق بين الآراء، من خلال منظومة الإسلام - العقدية والفكرية والأخلاقية. إن إدانة هذا الاعتداء دون مواربة، للحفاظ على الضرورات الشرعية المجمع عليها، من أجل تحقيق مزيد من التوازن، وكثير من الهدوء، بلغة راقية، ورجاحة عقل، هو مطلب مهم -ولا شك-، وكل علاج غير ذلك هو علاج غير ناجح. وهذا المنهج أكده -سماحة مفتي عام المملكة- عبدالعزيز آل الشيخ، حين علق على الحادثة، بأنه: «لا يليق بالمسلم أن يتعدى على أملاك الدولة، أو على الأفراد، وكون ما تسمى (جماعة الصدع بالحق ضد نادي التغريب والإفساد)، تهدد رئيس النادي بالقتل، فهذا أمر خطر ومنكر».
drsasq@gmail.com