من المفاجآت التي شاهدتها في معرض الرياض الدولي للكتاب الذي طويت أيامه هذا اليوم الجمعة، الحضور الكبير من قبل أطياف المجتمع كافة، بخلاف الزوار من الدول العربية والأجنبية. إننا حين نتأمل هذه الظاهرة وندرسها
من حيث كونها تظاهرة ثقافية، فإنها تنعكس على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية، من حيث المردود الاقتصادي الذي ينعكس على الحراك للبائع والناشر وصاحب أو مؤلف الكتاب. وإن كان هذا الأمر فيه نظر من حيث إن كثيراً من المؤلفين يفتقدون إلى الحرص على حقوقهم عندما يقومون بنشر كتاب، وبالذات فيما يخص ناشري الأعمال الإبداعية من شعر وقصة ورواية، وإننا عندما نتأمل واقع النشر نكتشف حقائق مؤرقة، على رأسها أن الإصدار الإبداعي على وجه الخصوص لا يحقق الربح لمؤلفه، وربما يحقق الناشر من ورائه مردوداً مادياً يغطي جزءاً من تكاليف الطباعة. هذا فيما يخص نشر الكتب الإبداعية، استثني من ذلك الكتاب الكبار الذين حققوا مكانة كبيرة وأسماء لامعة في الساحة الثقافية، هم بلا شك يحققون قدراً من الأرباح حتى لو كانت أرباحاً يسيرة. أما الكتب الأخرى التي تمثل الأكثر انتشاراً في المعرض فهي كثيرة ومتنوعة، وعلى رأسها الكتب الدينية، وكتب تنمية الذات المتعلقة بإعادة برمجة ذاتك وعلى وجه الخصوص تلك التي تدعو إلى التغيير بكل أشكاله وقوالبه المختلفة، حيث يلاحظ أن هناك انتشاراً كبيراً ووعياً من قبل أبناء المجتمع فيما يخص هذا الجانب، فقد بات الإقبال على هذه النوعية من الكتب كبيراً جداً، وملفتاً للنظر، وهي تحقق أرباحاً كبيرة لمؤلفيها وناشريها، ثم يلي ذلك الكتب المتخصصة، وكتب المجالات البحثية، والعلوم والمعارف، والفلسفة.
إذن هناك تنوع واضح، وهناك قارئ، والذي يعتقد أنه لا يوجد قراء للكتاب فهو واهم، القراء موجودون، وأبناء المجتمع يثبتون أنهم يملكون قدراً عالياً من الاهتمام بالقراءة والاهتمام بالكتاب، وأكبر شاهد على ذلك الإقبال الكبير على هذه المعارض. المسألة يا سادتي هي نوعية القراءة، ونوعية اهتمامات القراء. نحن بحاجة ماسة إلى باحثين متخصصين يقومون بعمل دراسات وبحوث حول الميولات القرائية لدى الجمهور من أبناء المجتمع.
وربما مثل هذه البحوث والدراسات ستكشف لنا حقائق جديدة عن المتلقي ونوعية الخطاب الذي يستهويه، ومن ثم نتعرف على طبيعة ذلك المتلقي، فهناك مثل عربي سائد يقول «قل لي ماذا تقرأ، أقل لك من أنت».
وهذا ما يجعلنا ضد فكرة أن نظل قراءً نمطيين، أسيرين للقوالب التي سجنت العقل العربي، ولم تعطه مجالاً للانطلاق في فضاءات أكثر حرية قادرة على تحريك ذلك السائد، وكسر المعتاد والمألوف الذي يسهم في تنشيط العقل ومن ثم مقدرته على المساهمة في التطوير والبناء في المجالات الإنمائية كافة، وخوض معترك الحياة بقدر عال من المعرفة والدراية بالمستجدات والتحولات التي يعيشها العالم قاطبة. ومع ذلك فهناك من يطرح حقيقة أخرى تؤكد ميل القراء في السنتين الأخريتن إلى التركيز على الجوانب الفكرية سواء أكانت أيديولوجية أو تأملية وفلسفية. وهذه الفئة هي في الغالب من فئة القراء الذين كانوا يبحثون إلى وقت قريب عن الروايات التي كشفت الكثير من النواحي الاجتماعية، وقفزت على التابو الذي كان في نهايات القرن الماضي الميلادي لا يجرأ أحد على اقتحامه. بدأت هذه الروايات، وإن كانت لا تزال موجودة بشكل قوي ولها قراؤها، إلا أنها بدأت تأخذ الطابع المعتاد، وربما يأتي اليوم الذي تصبح مثل هذه الأعمال لا تقدم جديداً يذكر. ولهذا علينا أن نشيد بخطوة وزارة الثقافة والإعلام التي قلصت الرقابة والمنع على الإصدارات التي تباع في المعرض بشكل كبير جداً، وأعطت مساحة من الحرية في وجود كل المؤلفات والإصدارات الفكرية والإبداعية للمؤلفين ودور النشر سواء أكانوا معي أو ضدي. وهذه السياسة الواعية هي التي تفرز في هذه الفترة هذا التجاوز المرحلي الذي يعيشه القارئ المحلي، لأن كل ممنوع مرغوب كما يقال، وسياسة المنع ربما تساعد على الترويج لذلك الإصدار الذي تم منعه. سعداء بما نراه من خطوات ملفتة على الجانب الثقافي والمعرفي عبر هذا المعرض.