Al Jazirah NewsPaper Friday  12/03/2010 G Issue 13679
الجمعة 26 ربيع الأول 1431   العدد  13679
 
ورشُ العمل .. الشراكة في التفكير والتخطيط
د. عبد المجيد محمد الجلال

 

ورشُ العملِ أسلوب من أساليب التدريب الحديثة، تتلخّص فكرتها أساساً في قيام منشأة معيّنة بعقد حلقة نقاش وعصف ذهني حول قضايا محددة ذات صلة بمهامها الأساسية، خلال فترة زمنية محدّدة، بمشاركة نُّخبة من

ذوي الفكر والخبرة والاختصاص، من داخل المنشأة وخارجها، ينتج عنها توصيات عامة. وعلى هامشها تُقدم عِدَّة فعاليات منها المحاضرة، وورقة العمل، والمناقشة والتجريب والتطبيق والاستنتاج.

وهي تُعدُّ فرصة سانحة لتنمية مهارات التخطيط والتقويم، وتدعيم العمل التعاوني في معالجة القضايا والمشكلات، والتفاعل مع الأفراد والمجموعات، وتبادل الآراء والأفكار والخبرات، وإطلاق قوى المشاركين الإبداعية وحفزهم إلى العمل التجريبي، والاطلاع عن كثب على المزيد من الدراسات والمعارف ذات الصلة.

في السنوات الأخيرة اتسع نطاق الأخذ بهذا الأسلوب التدريبي من قِبل الكثير من القطاعات الحكومية والأهلية، وهذه إشارة إيجابية مهمة لرغبة هذه القطاعات في تطوير مهامها، وتنظيم أعمالها، وتخطيط برامجها، وتحسين مهارات منسوبيها، وفق رؤى علمية وتقنية حديثة، تواكب التجارب العالمية بهذا الخصوص.

وتختلف الأهداف باختلاف الاحتياجات، وفي الغالب تتركز حول مسائل تطوير الأداء، ومعالجة معوّقاته، وتطوير بيئة العمل، أو دراسة مشكلات ذات صبغة تربوية أو اجتماعية، أو سلوكية...

وحتى تتحقق الاستفادة المثلى من تطبيقات ورش العمل، ينبغي الحرص على التحضير الجيد لفاعليتها من خلال الاهتمام بتحقيق جملة من المتطلّبات، أبرزها:

تحديد الأهداف أو المحاور بصيغٍ دقيقة، تعكس الاحتياجات الفعلية للمنشأة، ومواردها المتاحة، وتستوعب الفترة الزمنية المخصصة للورشة. وعدم الجنوح إلى صياغة أهداف طموحة تتجاوز الإمكانات المادية والفنية للمنشأة، والخروج بالتالي بتوصيات عامة غير قابلة للتطبيق، بما يُعدُّ إهداراً للوقت والجهد والمال.

الاهتمام بتخصيص الوقت المناسب لكل هدف أو محور، ليأخذ كفايته من المناقشة والتحليل، وتبادل الرؤى والأفكار، والتطبيقات المعاصرة. وقد يتطلّب ذلك عقد أكثر من ورشة عمل، على أن يتم ذلك وفق قاعدة أولوية الأهداف والمحاور ودرجة أهميتها (الأهم فالمهم).

بناء وتصميم محتوى الورشة عبر تطبيق أفضل الوسائل العلمية والفنية الممكنة، والاهتمام بجودة المحتوى مادةً وصياغةً ولغةً، وعدم الإكثار من الأساليب الإنشائية، وتكرار الجمل والعبارات، لما في ذلك من إضاعة للوقت المخصص، وإعمال للجهد، في نقاش محتوى غير مناسب، يفتقد إلى الجودة وسلامة البناء.

العناية باختيار الزمان والمكان المناسبين، لأثرهما البيِّن في إضفاء أجواء تفاعلية تُحفِّز المشاركين على تقديم المزيد من الفكر الإبداعي. ومن المستحسن أن يكون مقر انعقاد الورشة خارج مقر المنشأة، وأن يتم اختيار المكان الذي تتوفر فيه معينات التدريب من أجهزة عرض، وحواسب، ووسائل بيانية، إضافة إلى عناصر الإضاءة والتهوية والسَّعة.

المتابعة المستمرة من قِبل (مدير الورشة) أو منسِّقي الجلسات لرصد الآراء والأفكار بصورة دقيقة، بما يسمح بالتعديل والإعداد الجيد، لمحتوى التوصيات الختامية.

العناية بتنفيذ توصيات الورشة: فإنَّ ذلك هو الثمرة التي ينبغي حصادها بعد جهودٍ حثيثة بُذلت للإعداد والتحضير الجيد استغرقت زمناً غير قصير، وأهمية تحويلها إلى واقعٍ مادي محسوس يلبي تطلُّعات المنشأة، عبر آلية مختارة تحدد الأولويات، وفق جدولٍ زمني يأخذ في الاعتبار الإمكانات والموارد المتاحة.

وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فأود الإشارة في هذا المقام إلى مشاركتي بدعوة كريمة، في ورشة عملٍ، عُقدت بتاريخ السابع من ربيع الأول من العام الهجري الحالي، تحت رعاية مركز البحوث والدراسات في الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر. وبمشاركة مسؤولين من الرئاسة العامة، وبعض الأكاديميين، وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، ورؤساء تحرير بعض المجلات والمراكز والجمعيات العلمية. وقد عُقدت الورشة تحت شعار (نحو رؤية تطويرية لمركز البحوث والدراسات)، وقد احتوى جدولها على عِدَّة محاور، أبرزها:

1- النظام الإداري: تجارب رائدة، آليات إقرار البحوث، آليات تنفيذ العمل.

2- آلية التعرُّف على الاحتياجات البحثية وترتيب أولوياتها.

3- المعايير العلمية والإدارية لاختيار الجهات البحثية.

4- الشراكة والتمويل.

5- الوسائل والأوعية العلمية الواجب توفرها في مراكز البحوث.

وقد جرت فعاليات الورشة بصورة جيدة، على مختلف المحاور، وأُثريت بنقاشات مستفيضة، وعمليات عصف ذهني، ومزيج متنوّع من الآراء والأفكار والمقترحات على مدى نحو ثلاث ساعات. وقد اجتهد منسقو الورشة - وفّقهم الله - في متابعة ورصد شامل لكل الآراء والأفكار والمقترحات التي استوعبتها الورشة، فكان أن خرجت توصيات مثمرة، نأمل العناية بآلية تنفيذها مثل ما كانت العناية بآلية إعدادها وتحضيرها.

كلمة أخيرة: من المهم جداً النَّظر إلى ورش العمل على أنَّها بداية انطلاقة نحو تحقيق رؤية معيّنة، لا مجرّد غاية تنتهي تبعاتها بانتهاء جلساتها.

من مأثور الحِكم (تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ مِنْ ثَمَرِها).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد