عندما أطلق خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز دعوته للحوار بين الأديان والحضارات تفاعل معها العالم بشكل غير مسبوق رغم أنها لم تكن الدعوة الأولى في هذا السياق لكنها أتت من الزمان والمكان والشخص الذي لا يمكن لأي كان في العالم أن يتجاهل دعوته أو يقفز عليها، فالزمان هو زمن تفشت فيه الكراهية واحتدم الصراع بين البشر حتى تناسوا رابط الإنسانية المشترك بينهم وأصبحت الحاجة ملحة لمن يعيد التذكير بالإنسانية الغائبة، أما المكان فهو أرض السلام أرض الحرمين الشريفين ومهبط الرسالة الخاتمة رسالة الرحمة من الله لكل البشر، وأما الشخص الذي انطلقت منه الدعوة فهو ملك الإنسانية الذي عرفه العالم إنسانياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى مع شعبه وأمته والإنسانية جمعاء.
وها هي الدعوة اليوم تأتي ثمارها عبر أكثر من مؤشر، ونكتفي للدلالة التوقف قليلاً مع مهرجان الجنادرية الذي سيحضره هذا العام 400 مفكر وعالم من مختلف أنحاء العالم بل يكادوا يكونون صفوة مفكري العالم ومثقفيه ومستنيريه الذي يؤمنون بالحق والعدل والحوار كحالة إنسانية تتجاوز الأديان والمذاهب، وهو التجسيد الفعلي لدعوة خادم الحرمين للحوار الإنساني الذي يستوعب الكل، وانعكاساً حقيقياً لسماحة الدين الإسلامي وقابليته للتعايش مع الجميع. فها هي المملكة وبوحي من التزامها بدينها وتمسكها بعقيدتها تستضيف هذه الكوكبة بحثاً عن الوصول إلى المشترك بين بني البشر ولتنفي عن الإسلام تهمة الانغلاق التي يحاول بعض الحاقدين إلصاقها به دون دليل أو برهان.
وليس مهرجان الجنادرية وحده هو الدليل ولكن الحدث الثقافي الآخر الذي نعيشه هو معرض الكتاب الذي ما أن تنطوي أيامه حتى يبدأ مهرجان الجنادرية وكانت دلالة معرض الكتاب قوية وواضحة من خلال دور النشر المشاركة ونوعية الكتب، فعصر الممنوع انتهى والذين زاروا المعرض لم يكونوا يصدقون ما يرونه بأعينهم من إصدارات وآراء لمخالفين نختلف معهم بالرأي وبقوة، لكن المملكة جسدت احترامها حتى لفكر من يخالفها طالما لا يرتقي إلى الافتراق والإساءة إلى الدين والتنكب له، أما الخلاف بين البشر فالعقل كفيل باستيعابه والتعامل معه.
***