لا يحلم أي روائي في العالم أن تُوزع من رواياته مليون نسخة حتى في أكثر أحلامه جموحاً، ولكن رواية الروائي الكولومبي العالمي والحائز على جائزة نوبل غارسيا ماركيز: (مائة عام من العزلة) وزع منها ما يقارب 30 مليون نسخة.. وتُرجمت إلى 33 لغة حول العالم.. وتحوَّل بعدها ماركيز إلى ظاهرة فنية جذبت الأنظار بقوة إلى أدب أمريكا اللاتينية وأسلوب الواقعية السحرية الذي تفجَّر على يديه.. وأضفى على أعماله الأدبية جمالاً وروحانية أخّاذة.
وتحول بعدها إلى أيقونة لاتينية يحتفي به العالم ويرافق زعماءه أمثال فيدل كاسترو، وتشي غيفارا، ولأن الرئيس الأمريكي السابق (كلينتون) كان مثقفاً ويهوى قراءة الروايات.. فقد دعاه إلى البيت الأبيض وغفر له ماضيه الشيوعي.
كان ماركيز في أحد أيام 1965 يقود سيارته برفقه عائلته الصغيرة متجهاً إلى بيت عائلته الممتدة الكبيرة، وفجأة التمع في ذهنه مطلع روايته مائة عام من العزلة.. فما كان منه إلى أن عكس اتجاه السيارة وقفل عائداً, وودع أصدقاءه وطلب من زوجته أن لا تفتح الباب.. أو تجيب على الهاتف وقطع صلته بالعالم الخارجي وبدأ في كتابة الرواية.
يقول ناشر ماركيز: (بعد سنة من الانقطاع أرسل لي المائة صفحة الأولى فوجدتها عملاً فنياً من طراز رفيع.. رواية ماركيز حررتنا جميعاً).
قالت اللجنة التي اختارت أعماله لجائزة نوبل عن مائة عام من العزلة: (ربما أفضل رواية في اللغة الإسبانية منذ رواية «دون كيشوت».. ماركيز ينحدر من كُتّاب أمريكا اللاتينية ذوي المكانة والشهرة: بورخيس, أسترياس, كاربينتيّر.. اكتسب قراء أكثر عدداً خارج حدود القارة الأميركية وعالمياً, وبصورة لم تحدث في السابق, لقد كسر الحواجز الإقليمية وربط ثقافات القارة, وجدد اللغة والخيالي).
عاش الروائي سنواته الثماني الأولى في بيت جده وجدته من ناحية الأم.. كان في اتصال بما هو «فوق طبيعي», من خلال حكايات جدته: عالم من الأساطير والتنبوءات بالكوارث والخرافات وحكايات عن التمردات والحروب الأهلية بالإضافة إلى عماته اللواتي طوال فترة طفولته, أفعمن جو البيت بالأرواح, والخادمات الأمريكيات الهنديات, والأفارقة السود الذين يعودون من عملهم في المزارع وفرق السيرك التي تمر بالمدينة قادمة من المجهول ذاهبة إليه.
كان ماركيز متفوقاً موهوباً في طفولته لكن في الجامعة ترك دراسته للقانون, واضطر لممارسة مختلف المهن.. أو على حد تعبيره: «يجب أن آكل, بعت موسوعات, أصبحت مراسلاً صحفياً في نيويورك, وروما، وباريس وجنيف».. وفي كل الأحوال كان يعيش عند حافة الحاجة.. وعن قراءاته يقول: «كنت أذهب إلى مكتبة المدرسة.. وأقرأ الكتب المصفوفة على الرفوف من اليسار إلى اليمين».
إنه الروائي الظاهرة الذي صنع مجده.. ومن ثم اختار العزلة ليرقبه عن كثب، يقول في كتاب سيرته الذاتية (أعيش لأروي): (لطالما شعرت بأنني لا أعيش العالم من حولي.. بل أرويه قصصاً وحكايات).