حقيقة ومن منطلق علمي وعقلاني لا آخذ ب(التنبؤ) كثيراً لأن العلم عند الله أولاً وما عدا ذلك لا يعدو عن كونه (تخرصات) أو (هقاوي) وإن كنت أهتم ب(الاستقراء) من خلال المعطيات والدوّال والشواهد التي تفضي إلى (الاستشراف), ومع أن هذا الاهتمام يندرج - علمياً - كنتيجة للتحليل والبحث إلا أن الملفت حقاً هو الاستلهام اللا إرادي الذي يقتحم مخيلة المرء - أحياناً - وبشكل خاص إذا كان هذا المرء مسكوناً ب(الابداع الفني) كالشعر تحديداً الذي سرعان ما يلتمع فجأة على سطح الذهن كومضة غامضة تشير إلى الماضي من خلال حدث هامشي ضئيل وإلى المستقبل من خلال توقِّع لا يخطر على البال مطلقاً إلا في لحظة التوهج تلك، وهو ما عرف لاحقاً بعلم الاستبصار أو (الاستشراف العقلي عن بعد) والذي انضوى تحت جناح (الباراسيكيوجي) - (التخاطر) تحديداً أي أنك تتذكر فجأة وبلا مقدمات أحد الأطفال الذين تعرفهم في الصغر ولم يخطر على بالك طوال هذا العمر ولكنك بالصدفة تلتقي به في السوق بذات اليوم الذي تذكرته فيه، أو أن تريد أن تنطق بجملة من خلال محادثة مع أحد الأصدقاء وينطقها حرفياً قبلك أو أن تتذكر فلاناً من الناس وترفع الهاتف لمكالمته ويقول لك فجأة: والله إنني الآن رفعت الهاتف لمكالمتك ولكنك سبقتني.
بالطبع ما ذكرناه سالفاً يخص الاستشراف وهو ما يعنينا بالضبط في هذه المقالة؛ إذ إنني بمحض الصدفة قرأت خبراً (غريباً) يتحدث عن عثور شرطة مركز الصداوي على جثة راع سوداني في منطقة صحراوية عُرفت كمرعى جيد للإبل وقد تبين من خلال المعاينة الطبية للجثة وجود عدة كدمات في الصدر وتهشم في القفص الصدري مما جعل الطبيب الشرعي يقدر أن (أحد الجمال قد برك) على المغدور به!!
أقول إن هذه الحادثة الغريبة بالنسبة للبعض وممن لا يعرفون (توحش) الجمال وحقدها وتحديداً (الفحول) في موسم (الهياج) أقول إنها حادثة جد عادية يعرفها مالكو الإبل جيداً ولذلك يحتاطون بالإضافة إلى تقييد يديّ الفحل إلى قيد آخر يسمى (الهجار) ألا وهو تقييد إحدى يديه مع إحدى رجليه لكيلا يهتاج ويحطم النوق في موسم (السفاد)، وقد يتعاظم هياج (الفحل - الجمل) ويحطم من حوله من البشر لا سيما عندما يتحول إلى مرحلة ال(أُكلهْ) وهي أقصى حالات التوحش الحيواني لدى هذا المخلوق الهادئ.
ما علينا من هذا الاستطراد (الاستعراضي) الذي أخرجنا من علم (الباراسيكيلوجي) إلى (علوم - الابليلوجي!) نسبة إلى علم الإبل أقول إن ذلك الخبر قد استحضر من قاع الذاكرة قصيدة كتبتها في الثمانينيات الميلادية تتحدث عن واقع الوطن العربي وقد حاولنا تذكرها بمناسبة الحرب الأخيرة أو اجتياح العراق ولكنني صرفت محاولة التذكر عنها لأنني تذكرت أن عدة كتاب ونقاد تناولوا قصيدة لي نشرت في ديواني الأول (الغناء في صحراء الألم) والذي طبع في نهاية السبعينيات الميلادية وكانت بعنوان (الغزو) نكمل في المقالة اللاحقة..