Al Jazirah NewsPaper Thursday  11/03/2010 G Issue 13678
الخميس 25 ربيع الأول 1431   العدد  13678
 
خنساوات فلسطين.. منارات النصر
عادل أبو هاشم

 

مائة عام وهي تقف شامخة كحد السيف صامدة في وجه الظلم والقهر والتعنت. مائة عام وهي تتجرع الألم والمهانة لكنها أبدًا ما كلَّت برسالتها النضالية. تعرضت للذل وللاعتداءات الجسدية داخل سجون التعذيب الإسرائيلية، ولكنها أبدًا لم ترضخ، ولم تستكِن من أجل أن تشرق شمس الحرية على أرض وطننا الحبيب. مائة عام وهي تستصرخ الكرامة العربية، وتناشد (معتصم هذا الزمان) أن يثأر لكرامتها، لتكتشف أن (المعتصم الجديد) لا همَّ له سوى الوقوف حدادًا وخطابة في مآثر وبطولات الشهداء..!! من أجل فلسطين جادت بالزوج والابن والحبيب ثم ضحت بالروح. إنهن خنساوات واستشهاديات فلسطين اللاتي جسدن بأرواحهن الطاهرة ودمائهن الزكية نضال وجهاد المرأة الفلسطينية في التاريخ بحروف من نور، وأعدن للأذهان دور المرأة المميز في مقاومة المحتل.

لقد احتلت المرأة الفلسطينية مكانًا بارزًا ومميزًا في النضال الوطني بأشكاله كافة، وبدأ نشاطها في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين؛ فشكَّلت مجموعة من النساء لجان إسعاف، ولجانًا لجمع التبرعات للوفود الفلسطينية التي كانت ترسلها الهيئات القومية آنذاك للدفاع عن الوطن ومواجهة الخطر الناجم عن وعد بلفور عام 1917م، وكانت (ثورة البراق) عام 1929م نقطة تحول وبداية عهد جديد، وذات أثر عميق في حياة المرأة الفلسطينية فلم تستطع أن تقف مكتوفة الأيدي وأن تظل صامتة أمام الظلم الفادح الذي حلَّ بأبناء شعبها الفلسطيني؛ فقامت ولأول مرة في تاريخ فلسطين بعقد مؤتمر نسائي في مدينة القدس بتاريخ 26 أكتوبر عام 1929م حضرته ثلاثمائة امرأة فلسطينية من القدس ويافا وحيفا وعكا وصفد ونابلس ورام الله وجنين وغيرها، فكان هذا المؤتمر بؤرة الحركة النسائية في فلسطين، ونقطة تحول للمرأة الفلسطينية في النضال من أجل تحرير الوطن، حيث تم تشكيل وفد من 14 سيدة لمقابلة المندوب السامي البريطاني لإلغاء وعد بلفور.

وفي الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م إثر الإضراب العام، الذي شمل جميع مدن وقرى فلسطين، عقدت 600 طالبة فلسطينية اجتماعًا مهمًا في 4 مايو (أيار)، قررن فيه الاستمرار في الإضراب حتى تستجيب سلطات الانتداب البريطاني لمطالب الشعب الفلسطيني.

وبعد نكبة عام 1948م ضاعفت المرأة الفلسطينية جهودها لتخفيف آلام العائلات الفلسطينية المنكوبة التي اضطرت بسبب الإرهاب الصهيوني إلى الرحيل عن مدنها وقراها، ففقدت رزقها وأصبحت بلا مأوى؛ فأسهمت الهيئات النسائية في تقديم الخدمات الصحية والتعليمية لأبناء اللاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى افتتاح مراكز لمحو الأمية وتعليم مبادئ الخياطة والتفصيل وحياكة الصوف والاقتصاد المنزلي.

وفي زمن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م وصلت المرأة الفلسطينية إلى درجة من النضج الفكري والوعي السياسي أدت إلى إدراكها لأهمية النضال من أجل الوطن.

وفي زمن الانتفاضة الشعبية المباركة الأولى التي اندلعت في التاسع من ديسمبر 1987م أصبح لدى المرأة الفلسطينية قناعة ذاتية بدورها النضالي وبضرورة ممارسته بكل ثقة ووعي ودون خوف؛ حيث اتسع نشاطها العسكري والسياسي والاجتماعي. لقد ظهرت المرأة الفلسطينية كأنها الجدار الواقي لصد رياح الاحتلال، ودفعت الانتفاضة بالمرأة في الأراضي المحتلة للصفوف الأولى؛ فمنذ اللحظة التي خرج فيها الأطفال والشبان إلى الشوارع يرجمون جنود الاحتلال لحقت بهم النساء يلقين الحجارة على القوات الإسرائيلية بحقد مزدوج، وأحيانا تجاوز حقدهن ثنائيته؛ فهن يرجمن الاحتلال وما يمثله عندما يرجمن جنود الاحتلال بحجارتهن ويدفعن رصاص الصهاينة الموجَّه إلى صدور الصبية والمتظاهرين أو يدافعن عن أخ أو أب أو زوج في زنانين الاحتلال ومعتقلاته، وكان أداؤهن مذهلا باستمرار.

وفي مرحلة طعن جنود الاحتلال والمستوطنين بالسكاكين كان للمرأة الفلسطينية دور بارز في هذه المرحلة؛ فعشرات من هذه العمليات قامت بها نساء وفتيات. لقد دفعت المرأة الفلسطينية ضريبة الدم التي دفعها الشعب الفلسطيني، وتعرضت لما يزيد على سبعة آلاف حالة إجهاض في زمن الانتفاضة بسبب استنشاقهن للغاز السام الذي يطلقه جنود الاحتلال الإسرائيلي ضد شباب الانتفاضة وفي المنازل الآمنة. ومع بدء الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) في 28-9-2000م، ونتيجة لقصور في الرؤية لدى الفريق الذي راهن على اتفاق أوسلو وما ترتب من سلبيات على هذا الرهان وهذا النهج الاستسلامي، بدأ التوجُّه من قبل المرأة الفلسطينية ميدانيا بدعم (خيار المقاومة)؛ فالاحتلال ما زال جاثمًا، والنضال الوطني وتحرر المرأة يجب أن يتمَّا برفقة الرجل جنبًا إلى جنب، الذي حتى اللحظة يفتقر إلى الدعم المادي والمعنوي، وتُمارس عليه الضغوط وسياسة الإبعاد عن موقع القرار الفلسطيني. لقد جاءت انتفاضة الأقصى لتضيف المرأة الفلسطينية سفرًا جديدًا إلى سجلها الخالد من خلال تصديها البطولي لقوات الاحتلال جنبًا إلى جنب مع الرجل، مضحية بالزوج والولد والروح فداءً للوطن وحريته وكرامته. لقد قدمت المرأة الفلسطينية حتى اليوم 440 شهيدة، فيما اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي 13 ألف امرأة منذ العام 1967م حتى سبتمبر (أيلول) 2009م، بينهن 860 امرأة خلال انتفاضة الأقصى.

عشرات الخنساوات الفلسطينيات اللواتي تحكي كل واحدة منهن حكايات وملاحم بطولية، وبتضحيات لا مثيل لها في تاريخ المرأة.

ونحن نستعيد مسيرة نضال المرأة الفلسطينية في اليوم العالمي للمرأة الذي صادف اليوم الثامن من مارس (آذار) لا نملك إلا أن نردد: رُبَّ (وامعتصماه) انطلقت ملء أفواه البنات اليتيمات.. لامست الأسماع، لكنها لم تلامس نخوة المعتصم..!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد