تتخذ الثورات الإيرانية في العصر الحديث من الألوان هويتها وشعاراتها، فعلى زمن الشاة كان هناك الثورة السوداء التي قام بها التيارات الدينية المتشددة والتي جعلت من الخميني مرشدا روحيا لها، ومن اللون الأسود رمزا للحداد الدائم على آل البيت، وكان في المقابل لها في نفس الوقت الثورة الحمراء وهم جماعات اليساريين الماركسيين الذين استجابوا للمد الشيوعي في مطالع القرن الماضي وبدؤوا في صيحات (ياعمال العالم اتحدوا)، تلك الأوضاع السياسية القلقة والمضطربة آنذاك حاول الشاة أن يقابلها بمجموعة من التغييرات السياسية والاقتصادية تحت شعار الثورة البيضاء، حاول فيها أن يستقطب الطبقة الوسطى الطامحة للمزيد من الإصلاحات على أكثر من مجال ولكنه فشل في ذلك.
بينما نجد الآن أن جماعة الإصلاحيين اختارت اللون الأخضر كلون يحتفي بالحياة كي يمثل هوية وشعار يعكس حالة النفور الشعبي العارم من ما يزيد على الثلاثين عاما من حكم الثورة الخمينية الأسود.
هذا الخليط من الألوان والثورات والحراك الشعبي إضافة إلى التعدد والتباين هو بالتأكيد جزء من فارس العريقة ذات الحضارة الضاربة في القدم، والتي يحتشد تراثها الفكري والثقافي بكم وافر من الصنوف المتباينة للأعراق والشعوب والمذاهب المتعددة، ولعل الجذور القديمة لتلك الثقافة ووعائها اللغوي، حفظها متماسكة ولم تندثر أمام اللغة العربية، فعلى الرغم من أن العربية هي اللغة التي تمارس فيها جميع الشعائر الدينية، وعلى الرغم من أن اللغة العربية تكتسح ما يقارب من 60% من مفردات الفارسية الحديثة، إلا أن الفارسية بقيت لغة حية ولم تندثر، أسوة بسواها من اللغات التي كانت سائدة قبل الفتوحات الإسلامية.
في الوقت الحالي تعاني الثورة الخمينية ورموزها حصارا شعبيا كبيرا، بعد أن عجز الحلم والوعود وشعارات المدينة الفاضلة أن يتطابق مع الواقع، والطبقة الفاسدة التي ثاروا ضدها في عصر الشاة، عادت لتتكون وتتبلور من جديد من خلال من هم في السلطة وجنرالات الحرس الجمهوري، بحيث تكونت محاور قوى تقبض على السلطة بعنف وتلجأ إلى تصفية أعدائها في بجرم كونهم.... أعداء للثورة.
وهنا بالتحديد عندما تبدأ الثورات بالتهام أبنائها أو ما يسمى بمأزق الأيدلوجيا عندما تعجز عن حصار نهر وتيار الحياة المتدفق المتبدل الذي لا يخضع سوى لقانون الصيرورة المتغير فإنها تلجأ إلى العنف والإكراه والإرغام كي تتوسل غطاء يحميها ويمنحها المصداقية والقدرة على الحياة والديمومة ومقاومة عوامل التحلل والاندثار.
هذا الأمر تعكسه سجون الحرس الجمهوري التي باتت مليئة بالثائرين، وقوائم الإعدام التي أعدت لأعداء الثورة، وجيشان غاضب داخلي وسخط خارجي.
ومع الحصار الدولي، ومع حالة عداء ضد إيران في محيطها الإقليمي، تدخل الثورة الإيرانية منعطفا خطيرا يهدد وجودها.... ومصداقيتها.