Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/03/2010 G Issue 13676
الثلاثاء 23 ربيع الأول 1431   العدد  13676
 
القيادة الحكيمة والقرارات الصائبة
د. عبد العزيز بن محمد الفيصل

 

دأبت القيادة الحكيمة على تلمُّس حاجات الناس فيما يمس معيشتهم وأمنهم ورفع الظلم عنهم وإعانتهم على تعليم أبنائهم واستقرارهم في مساكن تليق بالمواطن السعودي، وكنا نسمع ما يصدر من قرارات وافق عليها خادم الحرمين في جلسات مجلس الوزراء، فنرتاح لذلك وندعو للقيادة بالتوفيق والسداد في جميع ما تهدف إليه من إسعاد شعبها ورفعته، وقد أسعدنا كثيراً قرار مجلس الوزراء الصادر عن المجلس يوم الاثنين 15-3-1431هـ المتعلّق بعقوبة الشيكات المكتوبة بدون رصيد، حيث جاء فيه: (على الجهة المختصة بالفصل في منازعات الأوراق التجارية العمل على تشديد العقوبات على مرتكبي جرائم الشيكات وبخاصة إيقاع عقوبة السجن والتشهير في الصحف اليومية الصادرة في منطقة مرتكب الجريمة)، فمثل هذا القرار يفرح مهضوم الحق، فكاتب الشيك بدون رصيد مستهين بصاحب الحق ومن ورائه الدولة، ولولا استهانته لما كتب لصاحب الحق ورقة تحمل المماطلة والاستهانة، إنّ الحقوق يجب تأديتها صغيرة وكبيرة، فنحن نسمع عن مستأجرين يعبثون في سكنهم ثم يماطلون في أداء الإيجار هذا على المستوى الصغير، ونسمع عن شيكات كُتبت بدون رصيد وفي الورقة مبالغ كبيرة تصل إلى الملايين، فهذا القرار فيه ردع للظالم والمستهين بصاحب الحق، فاهتمام القيادة بمعاملات الناس فيما بينهم أمر يثلج الصدور. ومن مظاهر الاهتمام تطوير مرفق القضاء، هذا المرفق الذي تحسم فيه الحقوق، فهو جدير بالاهتمام والتطوير المستمر، فالعالم اليوم تحوّل إلى مدينة واحدة تتشابك فيها حقوق البشر، فالشركات العالمية لها مصالح في كل مدينة مؤثرة في العالم، ولا شك أنّ لدينا مدناً مؤثرة مثل الرياض وجدة والدمام، فقضايا الشركات في بلدنا مرجعها إلى قضائنا وهي تنظر إليه بعين العدل والحسم فليكن عند حسن ظنها وليستفد القضاء لدينا من قوانين الآخرين التي لا تتعارض مع شريعتنا وفيها مصلحة لصاحب الحق، إنّ دراسة الحقوق في يومنا هذا أصبحت عالمية، فكل بلد لا يستغنى عما لدى الآخر، فالمصالح متبادلة والحقوق مطلوبة. إنّ حقوق العمالة وحدها تمتد إلى ستين دولة مختلفة الأديان واللغات والعادات، فعالمية المملكة اليوم حاضرة ومتحققة فعلينا أن نفهم ما نحن فيه ونتعامل مع الآخرين معاملة يتوافر فيها الحق لصاحبه أياً كان مع تلمُّس ما يعين على الوصول إليه.

ومن مظاهر اهتمام القيادة بحياة الناس تطوير هيئة الأمر بالمعروف، فالتطوير شمل كوادر الميدان والتخطيط فهذا التطوير يبشر بالخير، لأنّ الهيئة على امتداد خمسين سنة مضت تحصر اهتمامها في الزنى والمسكر وسماع الغناء، ولم تلتفت إلى الفساد في التكالب على الدنيا وكسب المال بغير حق، وهو يظهر في صور مختلفة منها الربا وإفراغ أراضٍ بغير وجه حق شرعي وكتابة شيكات بدون رصيد والغش في التجارة وخيانة الموظف في ما اؤتمن عليه، فمن القضايا الحاضرة مضاعفة الغرامة من قِبل المرور التي تدخل في الربا، فلم نسمع أن الهيئة ذهبت إلى المرور ووعظت مدير المرور وقالت إنّ ولي الأمر لا يرضى بالربا، ويتناقل الناس من وقت لآخر أنّ

ّ كاتب عدل يأخذ الرشوة في صور لا تدينه ظاهرياً، مثل الاشتراك مع صاحب الأرض أو المساهمة أو ما إلى ذلك، فلم نسمع أنّ الهيئة ذهبت إلى ذلك الشخص ووعظته، وقد عرف أشخاص بكتابة شيكات بدون رصيد حتى أن الشيك أصبح لا يقبل منهم فما وعظتهم الهيئة، والغش في التجارة ظاهرة معروفة يدفع إليه حب المال، وقد يمتد إلى حليب الأطفال في أبشع صوره، وقد يُعرفُ التاجر الغاش فلم نسمع أن الهيئة ذهبت إليه ووعظته، وخيانات الموظفين فيما اؤتمنوا عليه ظاهرة للناس، ومأساة جدة كشفت بعض هؤلاء فأين هيئة الأمر بالمعروف، أليست هذه الأمور مما يدخل ضمن الأمر بالمعروف. إنّ التكالب على المال يجر إلى الظلم وإلى مفاسد عظيمة منها اقتطاع حقوق غير القادرين.

إنّ التشهير بمرتكبي جرائم الشيكات المكتوبة بدون رصيد سيردع أولئك لأنّ العار الاجتماعي أقسى من السجن، فهذه القرارات هي التي ينتظرها المواطن، فإذا نفّذ هذا القرار فمردوده سينعكس على هيبة الدولة، بالإضافة إلى إنصاف صاحب الحق، والتشهير بمرتكب الجريمة قديم في حياة العرب، ولا يُشَهَّرُ بالخائن والجاني إلا في أكبر أسواق العرب ومنها سوق عكاظ، فسوق عكاظ يجتمع فيه العرب من كل حدب وصوب فإذا شهر بصاحب الجريمة في هذا السوق انتشر خبره في أحياء العرب، وطريقة التشهير رفع راية غَدْر لصاحب الجريمة، وقبل رفع راية الغدر يخطب الخطباء للتعريف بالجريمة وصاحبها، فيقول الخطيب: ألا إنّ فلاناً ابن فلان غدر، فاعرفوا وجهه ولا تصاهروه ولا تجالسوه ولا تسمعوا منه، وبعد الخطبة يُتَّخذ مثال في هيئته، ثوب أو غيره فيُرفع في وسط السوق في رمح فيُلعن ويُرجم من قِبل كلِّ من شهد موسم سوق عكاظ، وتتفرّق الجموع بعد انتهاء موسم عكاظ حاملة أخبار السوق ومنها التشهير بالغادر، فهل هناك عقاب أشد من رفع راية الغدر في سوق تشهده أحياء العرب وتنتشر أخباره في أحياء العرب عامة. إنّ تأثير التشهير أقوى من أي عقاب آخر، وقد أدرك العرب قديماً أثره في ردع الغدر والظلم، وهذا القرار الذي صدر عن مجلس الوزراء سيكون له أبلغ الأثر في هذه المشكلة التي حوّلت الشيك إلى ورقة لا يُعترف بها من قِبل أصحاب الحقوق وهذا ما نراه ونسمعه عندما يقول البائع لا نقبل الشيك، وفّق الله ولاة الأمر إلى كل ما من شأنه رفعة بلاد الحرمين وحفظ حقوق المواطنين والمقيمين على تراب هذه الأرض الطاهرة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد