Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/03/2010 G Issue 13676
الثلاثاء 23 ربيع الأول 1431   العدد  13676
 
الغذاء.. الدواء.. الهواء.. والأمراض المستعصية
فضل بن سعد البوعينين

 

لا يمكن إرجاع حالات أمراض السكر، الكلى، والسرطان المستشرية في المجتمع السعودي إلى أسباب طبيعية، دون التمعن في الأسباب الأخرى التي يمكن أن يكون لها أثر مساعد في انتشارها. نسب الإصابة بتلك الأمراض في ازدياد مطرد، ونوعية المصابين بها تكاد تكشف عن أسباب لا علاقة لها أصلاً بالسجل الوراثي للمصابين. إصابة طفل بمرض السكر ربما كان مبرراً في الحالات الوراثية، أما الإصابات المفاجئة، والتي لا يمكن الوقوف على أسبابها فيفترض أن تفتح أبواب التحقيق والتقصي للوقوف على أسباب الإصابة الحقيقية. أمراض الكلى والسرطان لا تقل خطورة وانتشاراً عن مرض السكر، ومسبباتها الحقيقية، إذا ما قيست بزيادتها اللافتة، تبقى غير معروفة حتى الآن.

تشير البيانات المتخصصة الصادرة عن منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد المصابين بمرض السكري في العالم بلغ 300 مليون، منهم 3،5 ملايين مصاب في المملكة.

داء السكر ربما تسبب بأمراض مستعصية أخرى كضغط الدم، تلف الشرايين والأعصاب، اعتلال الشبكية، الكلى، وبتر الأطراف في حال عدم قدرة المصاب في التعايش معه والسيطرة عليه. تكلفة الرعاية الصحية تكاد تصل إلى مستوى 50 مليار ريال سنوياً، وهي مرشحة بالزيادة المطردة خلال السنوات القادمة.

تهدد البيانات الإحصائية بإمكانية تضاعف نسبة المصابين بالسكر خلال السنوات العشر القادمة، أما أمراض الكلى والسرطان فما زالت أرقامها تسجل نمواً لافتاً لتصل إلى مستويات قياسية لم تصل من قبل. الرعاية الصحية ربما ساعدت كثيراً في تخفيف ما يعانيه المرضى وأسرهم، إلا أن الوقاية من تلك الأمراض المستعصية يفترض أن تكون حاضرة وبقوة لحماية المجتمع.

يتحدث الأطباء كثيراً عن السمنة، الكسل، والعادات الغذائية الخاطئة وأثرها في انتشار داء السكر، وأمراضه المصاحبة، ولا يتعرضون إلى الأسباب الأخرى التي ربما تسببت في تعطل البنكرياس المفاجئ، وألحقت بالإنسان أمراض مستعصية أخرى كأمراض الكلى والسرطان!

أعتقد أن الماء، الهواء، الدواء، ومدخلات تصنيع المواد الغذائية، والمايكروبات المنتشرة في الأطعمة السريعة ربما كان لها أثر مباشر في تنامي نسبة الإصابة بتلك الأمراض. المضافات الغذائية، كالملونات، المواد الحافظة، المنكهات؛ وطريقة تصنيعها، تخزينها، وتغليفها يمكن أن تكون من الأسباب الرئيسة للإصابة ببعض الأمراض المستعصية. فلعب الأطفال، والمواد المسرطنة، والحلويات المليئة بالملونات الخطرة، والمنكهات الصناعية، والأطعمة المعلبة، واللحوم الملوثة، وزيوت القلي المعاد استخدامها في مطاعم الوجبات السريعة، هي من مسببات الأمراض الخطرة.

أمراض السكر، الكلى والسرطان في حاجة إلى دراسات بحثية متخصصة تستهدف الكشف عن أسباب انتشارها في المجتمع السعودي، وبين الأطفال على وجه الخصوص. مراكز البحث المتخصصة في حاجة ماسة إلى تفعيل دورها والتركيز بصورة خاصة على تلك الأمراض الثلاثة، إضافة إلى ذلك فاتساع رقعة المملكة يعني حاجتها الماسة لمراكز أكثر تخصصاً في جميع مناطقها مترامية الأطراف. المراكز العلمية، والبحوث المتخصصة تحتاج إلى أموال طائلة، وتمويل سخي من الحكومة والقطاع الخاص الذي ما زالت مساهماته التمويلية في الجانب البحثي فقيرة جداً مقارنة بمكاسبه الضخمة. وعلى الرغم من تسببه في انتشار بعض تلك الأمراض لأسباب ذات علاقة بالغذاء، والدواء الذين يتحملون مسؤولية استيراده، وتسويقه، أو صناعته محلياً. إضافة إلى تسببهم في تلوث البيئة بالملوثات الصناعية الناجمة عن الصناعات البتروكيماوية على وجه الخصوص، ومنتجاتها الخطرة المستخدمة في التخزين والتغليف، ونقل المياه، والتي يعتبر بعضها من مسببات الإصابة بالسرطان.

بعض الجمعيات الخيرية باتت متقدمة في جهودها على بعض المراكز البحثية في محاربتها الأمراض الخطرة. الأمير عبدالعزيز بن سلمان، المشرف على جمعية الأمير فهد بن سلمان الخيرية، يُطلق خلال الأيام القليلة القادمة «الحملة الطبية التوعوية بأمراض الكلى» تحت شعار «تحكم في مرض السكر وحافظ على كليتيك». تستهدف الحملة الكشف على طلاب 160 مدرسة في المرحلتين المتوسطة والثانوية إضافة إلى طلاب الجامعات للتشخيص المبكر لأمراض الكلى، ووضع خارطة للوقوف على حجم مشكلة أمراض الكلى لدى طلاب المرحلتين العمريتين.

العمل البحثي المنظم هو الضامن، بعد الله، لحماية المجتمع من الأمراض المستعصية مستقبلاً. فكثير من الإصابات كان من الممكن تجاوزها من خلال الفحص المبكر وعلاج مسبباتها الرئيسة. إضافة إلى قدرة البحث العلمي في الوصول إلى المسببات الحقيقية لانتشار تلك الأمراض ومعالجتها. الدور المميز الذي تقوم به جمعية الأمير فهد بن سلمان لأمراض الكلى يحتاج إلى محاكاة واسعة من الجمعيات الخيرية الأخرى، ويحتاج إلى دعم من رجال المال والأعمال كي تتمكن الجمعية من تعميمه على جميع مناطق المملكة. أمراض السكر، الكلى، والسرطان باتت الأمراض الأسرع انتشاراً في المملكة وما لم تتضافر الجهود في الجانب البحثي للوقوف على مسبباتها الرئيسة، وطرق علاجها، والحد منها فنتائجها ستكون وخيمة على الجميع. لماذا أصيب ابني الصحيح بداء السكر، الكلى أو السرطان؟ سؤال تبحث عن إجابته جميع الأسر المُبتلاة التي تخلو سجلاتها الطبية من الأمراض الوراثية، مع إيمانهم التام بقضاء الله وقدره.!. فهل من مجيب؟.

***

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد