أولئك المشرقون الذين يضيئون أرجاء نفسك، وأركان روحك ودهاليز قلبك. تبكي حين تفقدهم، وتنتحب عندما تغيب عنهم أو تتوارى شموسهم عن صباحك!!
تقترب لهم تلتمس منهم دفئاً، وترنو لهم تقتنص منهم ابتسامة الرضا وتخطف منهم بهجة القبول. ترتوي أغصانك بمثولهم، وتزهر أوراقك بوجودهم، وتثمر أشجارك بحضورهم.
وتجد نفسك دون أن تدري أو أنك تدري تصر أن توقد لهم من رموشك شموع التفاؤل، ومن ناصيتك تشعل لهم قناديل الفرح، ومن دمك تمدهم بإكسير الحياة!
وفي لجة الأنس، وصخب السرور، وضجيج السعادة تتفاجأ بخذلانهم يعصر نفسك ألما، ويدمي قلبك وجعا ويضنيه فجيعة! وأنت بعد لم تجف محبرتك من مشاركتهم كتابة أبجديات الوفاء، بينما هم يحفظون معلقات الغدر وينشدون قصائد خيبة الأمل ويغزلون لك نسيج الخذلان!!
ولئن جربت يوما أن تقوم بمهمة ففشلت، فاعلم أن غصة الفشل أقل وطأة من الخذلان، وإن عانيت قسوة الهزيمة فأدرك أنها أرحم منه، وإن قاسيت مرارة الخيبة فهي أقرب رحما للخذلان! فقد يقوم بك اجتهادك من كبوة الهزيمة لتتحول بعدها إلى انتصار. وقد تعاود تجربة العمل فتنجح بعد معارك الفشل.
أما خيبة الأمل فهي طريق سالك للخذلان. وأشدها وقعاً تلك التي تكون من قريب للقلب تحمل له احتراماً، وتتوقع منه براً وإحساناً، فيقطع بخذلانه لك وصال المحبة وحبال الاحترام. وحتى لو حاول معالجة ما انقطع، واجتهد برأب الصدع، فسيبقى أثر تلك العملية الجراحية المشوهة شاهداً على ذكريات مريرة وجراح غائرة لن تندمل. وأشد من ذلك أفول نجمه، وغروب شمسه لتتحول حياتك إلى ظلام وعتمة برغم إبصار الحديد وفكرك الحصيف، ورأيك السديد!
ولقلة حيلتك وهزيمتك الداخلية تبدأ بإعادة التصنيف، لعلك تجد لك تبريرا لما حدث، وتفسيرا لما حصل ومهربا مما وقع، فتعزو خذلانه لأنانيته وعدم ثقته بنفسه، أو لانطواء ذاته على استعلاء وغرور، أو لاشتمال نفسه على طمع بك، فربما لم يجد فيك بغيته أو ما يروي مطالبه.
وليس للخاذل حظ أو نصيب من الأخلاق الرفيعة، والمثل النبيلة، والمبادئ السامية؛ لأن المروءة والشهامة والهمة العالية صعبة المرتقى، فابن عائشة القرشي يقول: (لولا أن المروءة متصعب محلها، لما ترك اللئام للكرام منها بيتة ليلة)!!
أما قمة الخذلان إن كان له قمة برغم وضاعته حين تجمع كل آمالك وطموحك وأمانيك في شخص واحد دون سواه فيأبى أن يكون مع السيوف اللامعة سامقا بخيلاء وزهو، ويختار أن يصبح خيطاً هزيلاً يقع مثل الخيوط المهلهلة الضعيفة لا يقوى على القيام والرسوخ، عدا عن الثبات!
أما عنفوان الخذلان، فهو أن تختار امرءاً يملأ العين هيبة وإعجاباً، تحدثه بانبهار، وتناقشه بولع، وتحاوره بشغف، وتجادله بلهفة، وتلاحيه ببهجة، وما تلبث أن ترى بخذلانه لك تساقط نجومه وتداعي أقماره وغياب سطوعه.
أما ذروة الخذلان فهي أن تجمع لأجله دقائق الوقت ليسعد بتبديدها، وتزخرف ساعات الزمن ليتسلى بتضييعها، لتكتشف بجحوده ضياع عمر الوفاء وسنوات العطاء.
أرجوكم أطفئوا كل الساطعين بحياتكم حتى لا يبهركم نورهم ويخطف أبصاركم، فالشموع تكفي!!
فبضوئها تقرؤون حروفكم، وبنورها الخافت تتلمسون طريقكم، وتستشعرون مصيركم؛ فلا يخذلكم النور الساطع الذي يخطف أبصاركم ويدمي قلوبكم ويصادر حرياتكم ويكسر نفوسكم. ولا تكونوا كالفراش الذي تشدّه الأنوار، وتجذبه النار فتحرقه!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com