بين فينة وأخرى يصلني عبر بريدي الإلكتروني دعوات للانضمام لبعض المواقع المشبوهة، التي تمولها وتشرف عليها بعض الفرق المارقة من الدين ، وهؤلاء المارقون يحاولون وعبر هذه التقنية الوصول إلى أكبر شريحة من المجتمع بوضع
بعض العناوين البراقة التي توحي لك في بادئ الأمر أنهم دعاة خير وطلاب معرفة وأهل ثقافة، حتى إذا قبلت الدعوة وولجت هذه المواقع اكتشفت سوءهم وخساسة مقصدهم. هؤلاء المارقون الذين للأسف يجيدون دس السم في العسل وبخاصة لمن لا يجيد قراءة ما بين السطور، ولا يعرف بواطن الأمور، وهم جيل الشباب وبخاصة الشباب الذين يميلون للعاطفة أكثر من العقل فمثل هؤلاء يسهل اختراقهم والتأثير عليهم.
ومن أكثر الموضوعات تأثيراً في عوام الناس وبسطائهم، الأخبار التي تأتي في سياق كشف حقيقة غائبة عن المجتمع، وذلك من خلال رصد وتجميع لبعض الوقائع ومن ثم تحويرها لرغباتهم وأمنياتهم البغيضة، وجعلها خبرا براقا يجذب إليهم هؤلاء البسطاء الذين يعانون من فراغ يستغله هؤلاء وأمثالهم.
إن التقنية الحديثة في عالم الشبكات التي لها في كل يوم شكل ووجه جديد سلاح ذو حدين، فمن يستطيع أن يحمل هذا السلاح ويوجهه لخدمة أهدافه ومقاصده يحقق سبقاً على الذين لا يستطيعون أو لا يولون هذه التقنية اهتمامهم، ومما يؤسف له أن كثيراً من جهاتنا ذات التأثير في شباب الوطن لا تولي هذا الجانب العناية الكافية، بل إن بعض الجهات لا ترى جدوى منه، وهذا بالطبع بعيد كل البعد عن الصواب.
شركات التقنية في سباق مع الزمن لتقديم خدماتها المبتكرة للمتلقي ومؤسسات التربية والتعليم ومن يعنى بتوجيه الناس وبخاصة الشباب لا يأتون إلا متأخرين، بل قد لا يأتون إلا في مرحلة أخرى وكأنهم يريدون من هذا السباق التقني أن يتوقف ليأتوا ويستفيدوا من آخر هذه التقنيات.
لعلي لا أكون متجنيا عندما أقول إن مؤسسات التربية والمؤسسات الدينية في وطننا متأخرة جدا في الاستفادة من جديد التقنية، بل إن كثيراً من كوادر هذا المؤسسات لا يعرفون من هذه الثورة التقنية إلا اسمها..! وإذا اجتهدوا قدموا عملا متواضعا لا يرقى وهذه الثورة العلمية الهائلة.
إن العالم في نمو شبه يومي في المجال التقني تحديدا، وإذا لم نكن قادرين على مواكبة هذه الثورة التقنية الهائلة فسنجد من يخترق خصوصيتنا ويلج إلى أعماق ناشئتنا وساعتها نندم ولات حين مندم، ولنا سوابق مع الندم قد لا تحصى.
إن المطالبة التي يطالب بها الجميع الجهات الشرعية والتربوية هي مواكبة الثورة التقنية بما يحقق أهداف هذا المؤسسات من تواصل ونفع للمجتمع، وألا تبخل في الإنفاق على هذا الجانب فقد بات شيئا أساسيا في حياة الناس ولا يمكن تجاهل الدور الكبير الذي تلعبه هذه التقنية في التأثير على أفكار ومعتقدات البشر.
قلت وقال غيري إن الإعلام له أهميته ويجب التعامل معه بكل جدية واحترافية، ولن يأبه لهذا لقول بعض مؤسساتنا التربوية والدينية تحديدا، ولما وقع الفأس في الرأس في بعض القطاعات جاءوا يهرعون يبحثون عن منقذ وهم بالأمس لا يولون ما نقول بعض من اهتمامهم...! الإعلام بكل أشكاله وأنماطه صار شيئا أساسيا في حياة أي مؤسسة، وكل من يتجاهل دوره وأهميته فإنما يجني على نفسه وعلى الفئة التي يخدمها.
أعود إلى صدر هذه المقالة وأقول: إن هذه المواقع ذات الأهداف المشبوهة أحيانا والمفضوحة أحيانا أخرى تحتاج إلى من يتصدى لها، تصديا علميا منطقيا واقعيا، يحدد المشكلة ويوجد العلاج، وألا تترك للمتحمسين والمندفعين الذين يفسدون أكثر مما يصلحون في أحايين كثيرة.