Al Jazirah NewsPaper Monday  08/03/2010 G Issue 13675
الأثنين 22 ربيع الأول 1431   العدد  13675
 

حولها ندندن
يوم لغتنا الأم
د. جواهر بنت عبد العزيز آل الشيخ

 

احتفل العالم مؤخراً باليوم العالمي للغة الأم، ومع أنّ هذا الاحتفاء بدأ من خارج حدود الوطن العربي والإسلامي، حيث دعت إليه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) منذ عقد من الزمان، إلاّ أنّ الاستفتاء الذي بادرت به فرنسا، والمتسائل: ما معنى أن تكون فرنسياً؟ قد أعاد بعض جذوة من حماس لدى بعض دول العالم، بما فيهم بعض المخلصين من محبِّي لغتنا العربية الأم.

ومن تلك الجهود المخلصة ما قامت به الجمعية العلمية للغة العربية في جامعة الأميرة نورة، حيث احتفت بهذا اليوم بقيادة مديرة الجامعة سمو الدكتورة الجوهرة بنت فهد آل سعود، لاسيما وهي المترعرعة في أحضان اللغة العربية على يد العالمة الدكتورة عائشة عبد الرحمن، المعروفة في بدايات حياتها الأدبية (ببنت الشاطئ)، وأطلق عليها مؤسِّس الجزيرة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله - لقب (بنت الصحراء)، لأنّ هذا الاسم يتلاءم أكثر مما سواه مع الجهود الكبيرة لامرأة مسلمة محافظة في مجال خدمة الدين واللغة، والتي نالت فيما بعد جائزة الملك فيصل الإسلامية في مجال الدراسات القرآنية واللغوية.

وقد كان احتفاء الجامعة بيوم اللغة الأم متمثلاً في استضافتها لعَلَمين لغويّين من جامعتين قمّتين في وطننا المعطاء، وهما الدكتور أحمد الضبيب أستاذ اللغة بكلية الآداب جامعة الملك سعود، والشاعر الكبير الدكتور محمد بن سعد الدبل، الأستاذ المشارك في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام، لاسيما أنّ جهود هذين الأستاذين القديرين مضيئة عبر خدمتهما للفصحى طيلة مسيرتهما العلمية والتعليمية.

وقد تعجَّب الدكتور الضبيب - تعجباً مشوباً بأسى - من تخلِّي أبناء العرب عن لغتهم ممارسة ونصرة، في حين أنّ (اليابان) تعرّضت لأقوى استعمار، ومع ذلك لم تتأثر لغتها بتاتاً، بل وعادات شعبها ومثُله أيضاً ! وكذلك (الصين) ذات لغة من أصعب لغات العالم، حيث إنها تحوي ما يقارب 60 ألف رمز، والطالب لا يستطيع بذلك قراءة الصحيفة إلاّ إذا حفظ من خمسة إلى ستة آلاف رمز، أي حينما ينجح من المرحلة المتوسطة! ومع ذلك لم تتخلَّ الصين ولا أبناؤها عن لغتهم، بينما نحن نفاخر ونكاثر بتعلُّم اللغة الأجنبية وتسمية محلاتنا وقنواتنا تسميات أجنبية، وكأنه لا هوية لغوية لنا؟!.

ثم بعد ذلك شنفت آذاننا وطربت عقولنا وأفئدتنا مع قصيدة خلاّبة معبّرة للشاعر الدكتور محمد الدبل بعنوان (هي الضاد) يقول فيها:

ألا إنها السحر الحلال ولا نرى

سواها بيانا رائعا ينضم الدر

وكم نتمنى أن نقرأها قريباً تامة على صفحات (الجزيرة)، لاسيما وقد أعادت لنا ذكرى قصيدة طيّب الذكر حافظ إبراهيم عن اللغة العربية الخالدة والتي قال فيها وكأنه مازال يخاطب أبناء هذا الزمان معاتباً إياهم على لسان الفصحى:

فيا ويحكم أبلى وتبلى محاسني

ومنكم وإن عزّ الدواء أُساتِ

أرى لرجال الغرب عزا ومنعة

وكم عزَّ أقوام بعزّ لغاتِ

إنّ عزّ العرب في لغة دينهم الذي لم يكونوا قبله شيئاً يذكر، بل كانوا مجرّد قبائل متشرذمة بعضها تابع للروم والآخر للفرس، لذا فإنّ أسلافنا يعرفون هذه الحقيقة حقّ معرفتها فخدموها كما ينبغي، ووجّهوا الانتباه لأهميتها، حيث بيّن لنا ابن تيمية - رحمه الله - (بأنّ تعلُّم العربية فرض على الكفاية، لأنّ اللغة من الدين ومعرفتها فرض واجب، لأنّ فهم الكتاب والسنّة فرض ولا يُفهمان إلاّ بالعربية، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب)، كما أوضح لنا الشافعي - رحمه الله - أسباب الجهالة والخلاف في الدين قائلاً: (ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب)، وقال الحسن البصري - رحمه الله - عن المبتدعة: (إنما أهلكتهم العُجْمة)، وتكمن أهمية رأي كل واحد من هؤلاء إضافة لتاريخه العلمي العميق، كونهم جميعاً عاشوا في العصر العباسي الذي امتزجت فيه الأمم، واختلطت فيه اللغات باللغة العربية لغة الوحي الإلهي العظيم حفظها الخالق من إفراط المفرطين ودهاء الماكرين.

g.al.alshaikh12@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد