Al Jazirah NewsPaper Monday  08/03/2010 G Issue 13675
الأثنين 22 ربيع الأول 1431   العدد  13675
 
الجوجلة.. نهاية العالم الذي نعرفه
د. عبد الرحمن الحبيب

 

في عام 1998 يقول أوليتا، سألت بيل جيتس «أغنى رجل في العالم ومالك مايكروسوفت»: ما هو أكبر تحدٍ تخشاه؟ فعدل من جلسته تقدم وتأخر، وأطرق ملياً يتأمل السؤال...

وعندما نطق أخيراً، لم يلق عبارة معتادة عن منافس بارز في الساحة.

لم يذكر كبرى الشركات ولا قوانين الحكومة الفدرالية التي تحد من احتكاراته.. عوضاً عن ذلك، قال: «أنا أخشى أحدا ما في الكراج يبتكر شيئا ما جديد كلياً». هو ليس لديه أية فكرة عن أين يقع هذا الكراج (المرآب) أو في أي بلد، ولا حتى يمكن أن يحدس عن طبيعة هذا الابتكار التكنولوجي. إنه فقط كان يعرف أن الاختراع هو الخصم المعتاد للشركات المتأسسة.

لقد حدث ما كان يخشاه بيل جيتس في ذات العام، وأصبح كابوس حلمه حقيقة. هناك في كراج ما التقى عالمان مبدعان هما لاري بيج وسيرجي براين وأنشئ جوجل (Google)، عبر قصة طويلة يرويها الكاتب الأمريكي المشهور «كن أوليتا» (Ken Auletta) في كتابه الذي ظهر مؤخراً وعنوانه «Googled» وربما يمكن ترجمتها إلى جوجلة، مع عنوان فرعي: نهاية العالم الذي نعرفه».

وها هو الآن العالم يتجوجل من حولنا، نحن لا نبحث عن المعلومات بل نجوجلها. اطبع أي سؤال تريد، كما يفعل 70% من الباحثين في العالم، وستظهر الإجابة في نصف ثانية. لقد أصبح مبحث جوجل أكبر مبحث معرفي وبفارق كبير جداً عن أي مبحث آخر. فإذا كان الإنترنت يجعل المعلومات متوفرة، فإن جوجل يجعلها سهلة الوصول.

تريد أن تقرأ خبراً أو قصة في صحيفة أو مجلة في أي مكان في العالم؟ جوجل تضم 25 ألف موقع صحفي. ترغب في قراءة كتاب؟ كل الكتب التي طبعت بالشكل الرقمي متوفرة في مبحث جوجل. تريد البحث عن فيديو؟ يو تيوب جوجل يضم ثلثي شبكات الفيديو في الإنترنت مع 90 مليون زائر غير مكرر في شهر مارس العام الماضي. تريد أن تضع إعلانا؟ جوجل هي الأولى في العالم بريع يقدر بنحو 20 بليون دولار في السنة، مشكلة 40% مما ينفق على إعلانات الشبكة العنكبوتية.

هناك مبرر قوي للإعلام التقليدي أن يخشى جوجل ويخاف من احتكارها للاقتصاد والمعرفة. بالنسبة لشركات الإعلام والمعلومات والإعلان، يمكن أن تُرى جوجل ك»إمبراطورية الشر». لكن جوجل تدار عبر مهندسين وليس تجار؛ والمهندسون يسألون لماذا: لماذا علينا أن نعمل الأشياء بالطريقة التي دائما نعملها؟ لماذا لا تكون كل: الكتب، الصحف، المجلات، برامج التلفزيون، اتصالات الهاتف.. متوفرة في جهاز كمبيوترك بسعر أرخص؟

مدراء جوجل ليسوا رجال أعمال باردين بل مهندسون باردون. إنهم علماء يتطلعون إلى إجابات علمية جديدة. يتطلعون إلى تركيب رياضي، صيغة رقمية، معادلة إحصائية، لوغارتم يعمل على رسم وتوقع السلوك. وهم يعتقدون ببساطة (أو سذاجة) أن أغلب الغموض، بما فيه غموض السلوك البشري، ليس مستغلقاً على لغة الرياضيات.

البساطة مع الشغف العلمي تصنع خلطة فعَّالة؛ مشكلة قوة خارقة قد تقود إلى الخير أو الشر. جوجل بحماسة تعتقد أن لديها رسالة. يقول مديرها التنفيذي (Eric Schmidt): «هدفنا هو تغيير العالم.. أما جني الأموال فهو تكنولوجيا تدفع من أجلها». جني الأرباح ليس هدفاً قذراً ولا نشاطاً نبيلاً. لكن شركات الإعلام التقليدية تستهلك وقتاً طويلا في الانتحاب ضد جوجل ووقتاً قصيراً في الابتكار، وأغلبها بطيئة في المساهمة الرقمية.

يقول المدير إريك إنه ومؤسسي جوجل لاري بيج وسيرجي براين، عادة ما يسألون أنفسهم: «كيف يمكن أن ننمو كشركة هائلة الضخامة دون أعمال سيئة أو شريرة؟ ففي مجتمعنا التجاري هناك علاقة مع الأعمال السيئة. لا شك أن شركة كجوجل لا بد أن تنتج تناقضات وسلبيات، مما يجعل الناس تنزعج.. فليس هنا السؤال، بل السؤال من أين يأتي هذا السيئ أو الشر؟ هل هو من المنافسين أم من التجارة وطبيعتها أم من سلوكنا السيئ نحن المدراء؟»

ويعتقد إريك أن ذلك يأتي من المنافسين الذي يريدون جوجل ككبش فداء.. يقول: «عندما تملك تكنولوجيا مستحوذة كالإنترنت، سوف تحصل على رابحين وخاسرين». ويردف قائلا:» لا أريد أن أكون متعجرفاً. أنا أحاول أن أكون عقلانياً. الإنترنت يتيح للناس استهلاك الإعلام بطريقة مختلفة، وهم سيفعلونها.» ومع ذلك فإريك يعترف أن جوجل ربما هيجت البرانويا (جنون الارتياب).. يقول: «جوجل تدار من ثلاثة علماء.. سنرتكب كل الأخطاء التي يرتكبها علماء الكمبيوتر. ولكن ثمة أخطاء لن نرتكبها هي الأخطاء غير العلمية. سنرتكب أخطاء مبنية على الحقائق والأرقام والتحليلات».

هناك شركات تخلق الموجات، وهناك شركات تركبها وأخرى تغرق فيها، والمؤلف أوليتا يأخذك في رحلة على موجة جوجل سارداً قصة تشكلها واصطدامها مع أعمال الإعلام التقليدية، والآن هناك توقع بأن تصبح جوجل أول صاحبة مئة بليون دولار في تاريخ شركات الإعلام.

لقد حظي أوليتا بقنوات مفتوحة مع مؤسسي جوجل ومع العاملين فيها، إضافة لأولئك الذي مع أو ضد جوجل، لكي يؤلف هذا الكتاب. وكان اختياره لجوجل باعتبارها أهم رمز وممثل للثورة الرقمية، عابراً بالقارئ داخل أبواب جوجل المغلقة وكاشفاً بعض الأرقام والمعلومات السرية، ومظهراً لماذا يتواجه العالمان القديم والحديث للإعلام وكأنهما من كوكبين مختلفين.

ويكشف الكتاب عن معوقات تهدد مستقبل جوجل، ليس فقط من الشركات المنافسة أو أنظمة الحكومة الفدرالية، بل أيضاً من داخل جوجل نفسها، من خلال حجم ازدهارها الهائل مما قد تفقد معه لتوازنها وسلامة عملها. ففي السنوات القادمة ستواجه جوجل اختبارات صعبة لإيمانها العلمي بالصيغ الرياضية والنظم المنطقية. ويكشف أوليتا عن الاختبارات والمؤثرات الخارجية والداخلية التي ستواجه جوجل في عالم الإعلام الرقمي، مظهراً المخاطر الذي يحملها المستقبل لهذه الصناعة.

الإعلام الرقمي لم يغير الإعلام تكنولوجياً فقط، بل غير العالم الذي نعرفه.. وتأتي جوجل في مقدمة هذا الإعلام.. فعلى خلاف أغلب التقنيات الجديدة التي تحل محل القديمة مثل الكتاب المطبوع محل الكتاب المخطوط، والسيارة محل الحصان، فإن تقنية جوجل ليست شيئا ملموساً، بل مجردا.. إنها المعرفة!



alhebib@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد