Al Jazirah NewsPaper Friday  05/03/2010 G Issue 13672
الجمعة 19 ربيع الأول 1431   العدد  13672
 
حذروا من التقصير والتساهل فيه .. عدد من الأكاديميين والمختصين يؤكدون لـ(الجزيرة ):
التبرع بالدم.. ضرورة شرعية قبل أن يكون عملاً إنسانياً واجتماعياً

 

الرياض - خاص بـ(الجزيرة):

يقول المولى - عزوجل -:{وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، ويقول - عليه الصلاة والسلام -:(الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)، آية كريمة وحديث نبوي شريف فيهما حث على التعاون والتعاضد بين أفراد المجتمع المسلم، والآيات والأحاديث في هذه المعاني كثيرة جداً، وفي ظل معطيات المدنية المعاصرة وتقنياتها، وما ترتب على ذلك من كثرة الحوادث والكوارث، أصبحت حاجة كثير من الناس للتبرع بالدم ضرورية، ولاشك أن نقل الدم والتبرع به عمل إنساني نبيل، وواجب ديني عظيم، تقصد منه مساعدة المريض المتبرع له، أو المصاب في حادث، ابتغاء رضا الله تعالى، ويعد هذا العمل من القربات التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، لأنه يسهم في إنقاذ حياة آلاف المرضى والمصابين الذين يكونون في أمس الحاجة إليه، وقد اتفقت مختلف الفتاوى التي صدرت بهذا الشأن على جواز نقل الدم للمرضى، لأنه نوع من التداوي الذي تصل الحاجة إليه إلى حد الضرورة في معظم الحالات.

فكيف ننمي في الناس محبة هذا العمل الإنساني الخيري، وقبل ذلك هذا العمل الإسلامي الذي حثنا عليه ديننا الحنيف، وفيه نجاة وشفاء لكثير من المرضى والمصابين بإذن الله؟ وما الرؤية الشرعية لذلك؟

ثقافة.. وأخلاق

في البداية يبين د. عبداللطيف بن إبراهيم الحسين - أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالأحساء: أن الإنسان يميل إلى العيش الكريم في ظل مجتمع وارف، يحقق حاجاته الاجتماعية بالالتقاء والاندماج والتعاون مع الآخرين، وتكوين علاقات وطيدة معهم متبادلة فيما بينهم، ومن هنا فقد قرر على الفرد واجبات مخصوصة نحو الجماعة، كما أشرك المجتمع في مسؤوليته عن الفرد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}

ومن أبواب القربات العظيمة التي يتقرب بها الناس إلى الله تعالى بنفع بعضهم التبرع بالدم، وإنقاذ الأنفس الإنسانية المحتاجة من الهلاك والضرر قال صلى الله عليه وسلم:(المسلمُ أخُو المُسلم لا يَظْلِمُهُ ولا يُسْلِمُهُ، ومن كان في حَاجَةِ أخيه، كان اللهُ في حَاجَتِهِ، ومن فَرَّجَ عن مسلمِ كُربةً، فَرَّجَ اللهُ عنه بها كُربةً من كُرُبَاتِ يومِ القيامةِ)، والله تعالى يتقبل تبرع الإنسان - الصادق في نيته بقطرات من الدم ولعلها تسهم في إنقاذ نفس تكاد تشارف الموت، فتنقذها وترسم الابتسامة عليها والحياة من جديد، كما أن التبرع بالدم يبرز الجانب الديني والوطني والإنساني في المجتمع، ومن الأمور الجديرة بالتذكير في مجتمعنا هو التعاون مع المستشفيات وبنوك الدم في تقديم الإغاثات الكثيرة بالتبرع بالدم ممن هم يحتاجون إليه لإنقاذهم من الهلاك.

ولنتصور أن أحدنا هو المحتاج إلى الدم في هذا الموقف الخطير العارض أو أولاده أو أقاربه، فكم هو في أشد الحاجة إلى هذه القطرات من الدم، ولنحمد الله تعالى دوما على العافية، ولنكن ممن يساهم في الخيرات في مثل هذه الجوانب الإنسانية ولاسيما ممن رزقه الله تعالى بالصحة والعافية، فهو لن يتأثر بتبرع دم يسير، وهذا التبرع تحت إشراف طبي موثوق.

تشجيع الناس وأشار د. الحسين إلى أهمية نشر ثقافة التبرع بالدم في المدارس الثانوية والمعاهد العامة والكليات والجامعات للبنين والبنات وسائر الأجهزة الحكومية والأهلية وبهذا يصبح التبرع بالدم من المألوفات في الحياة العامة للشباب والشابات، والرجال والنساء عموما، فهم يخضعون إلى فحص طبي قبل التبرع بالدم للتأكد من سلامتهم ومدى إمكانهم للتبرع.

وحبذا أن يسهم أهل العلم والفكر والطب والإعلام والتربية وغيرهم في تشجيع الناس على التطوع بالتبرع بالدم، وتشجيع المتبرعين والثناء عليهم وعقد لقاءات تكريم لهم، وتقديم هدايا تشجيعية لهم وبطاقات تشريف، وأؤكد على أهمية إيجاد إعلانات توعوية كبرى في الميادين العامة ونحوها تذكر بالتبرع بالدم.

ولعلي أشير في الختام إلى جانب مبارك يذكر في المملكة العربية السعودية على مستوى القيادة الكبرى - جزاهم الله خيراً -منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة للمتبرعين بالدم عشر مرات فأكثر، فيما تكرم وزارة الصحة المتبرعين للمرات نفسها أو أكثر منها بهدايا عينية وشهادات تقدير نظرا للدور الإنساني الكبير الذي يقدمه المتبرعون دعما للمرضى في المستشفيات ولبنوك الدم.

مهم جداً جداً

وتقول د. نجلاء بنت إبراهيم الجريد - عميدة كلية التربية بتربة سابقاً: إن المؤمنين كالجسد الواحد, هذا الذي علمنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الذي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :{مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى}، إن الواحد منا إذا مرض أو أصابته مصيبة من مصائب الدنيا فإنه يسعى جاهداً لعلاج أو إزالة ما به من ضرر,, ونحن نحتاج أن نعمم ردة فعلنا هذه لأنفسنا كردة فعلنا لإخواننا المسلمين في حالة إصابتهم ببعض النوائب والمصائب والأمراض, أليس كفيلاً علينا يا من أحببنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهتدي ولو بجزء من هديه, تأمل ماذا قال الله عز وجل في كتابه الكريم حكايةً عن أمنا عائشة - رضي الله عنها - وصفوان بن المعطل رضي الله عنه في حادثة الإفك {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}، سبحان الله كيف ترى يا مسلم وأنت تسمع آيات ربك يسمي أم المؤمنين و صفوان بن المعطل - رضي الله عنهما - بأنهما من نفس المؤمنين الواحدة فكيف يظن الإنسان بنفسه إلا خيراً !! نحن الآن في هذه المقالة نناقش موضوع أحدث صدى عند كثيرٍ من الناس وتسابق إليه بالخيرات, ولكن بالمقابل جهله أيضاً العديد من الناس ولم يعطوه حقه وترددوا عنه, وموضوع التبرع بالدم بات ضرورياً الآن لحياة العديد من البشر الذي يتعرضون للعمليات جراحية أو لحوادث مرور أو لنزيف حاد, ولاسيما وأن نظرة العلماء له بالحث والترغيب عليه كيف لا وهو يساعد الأطباء - بعد توفيق الله لهم - على إنقاذ حياة مريض أو جريح, بل إن من ينال شرف التبرع بدمه إذا كان قادرا على التبرع فله أجر إنقاذ حياة شخص من الموت, بل إن له أجر إنقاذ حياة الناس جميعاً, يقول تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}، لأنه بهذا التبرع يحث غيره على التبرع وربما كان هذا المريض يتبرع بدمه لشخص آخر محتاج لهذا الدم بعد أن يشفى, بل وربما يكون المتبرع الأول أو أحد أقاربه أحد الأشخاص المحتاجين للدم يوماً من الأيام، وحينها لن يضيع الله أجره في الأولى، وسيسخر له من يأتيه بدمه إعانةً له, وهذا هو عدل الله في هذه الدنيا والآخرة خير وأبقى يقول الله عز وجل: {إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}، فجزاء رب العالمين دائماً من جنس العمل دنيا وآخرة.

ومن ثم لابد من إعداد جواب لرب العالمين عندما يسألنا عن تقصيرنا في هذا الجانب، ألم تر بأنك محاسب إذا علمت بأن هناك شخصا مريضا ولم تعده, ألم تعلم بأن الله سيقول لك كما جاء في الحديث القدسي: يقول الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة: ((يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده)) صحيح، أخرجه مسلم, هذا إذا كان مريضاً محتاجاً لمواساتك وقربك والاستئناس بك, فما بالك إذا كان محتاجاً لأمر قد خلقه الله فيك وهو ملك له سبحانه ومستخلفك فيه وناظرٌ ماذا ستصنع به وأنت في مغنى عنه أصلاً, خاصةً وإن كنت أحد المستطيعين القادرين على هذا التبرع, ولتعلم بأنه ليس مالاً قد يؤثر دفعه على ميزانيتك كما يفكر بعض المحبين للمال, وليس بضعةً من جسدك تخشى أن تفقدها, بل إنه أمر فائض عنك ومفيد لصحتك وهذا عند من ينطبق عليه شروط التبرع الموجودة في بنوك الدم, فماذا ننتظر وإخواننا ينتظرون. فلعل تأخير ساعةٍ واحدةٍ أودت بحياة العديد من الأشخاص, فلنبادر بفحص دمنا واستشارة أطبائنا فيما إذا كنا لائقين طبياً أم لا, ولنبادر جميعاً ببذل ما هو نعتبره أرخص من الرخيص لدينا ولكنه قد تكون قطرةً منه أحيت نفساً تسبح لله وتذكره فياله من أجر كبير وثوابٍ عظيم.

فوائد التبرع

ويبدأ الطبيب شاكر بن عبدالعزيز العُمري - أخصائي طب الأسرة والمجتمع بمستشفى القوات المسلحة بالرياض حديثه مستشهداً بالآية الكريمة (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى)، وفي الحديث «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحديث عبدالله بن عمر أن رسول الله قال:( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً، ستره الله يوم القيامة).

وديننا الحنيف حث على التعاون والتكاتف، وأن يكون العبد عوناً لأخيه, ومن أوجه التعاون التبرع بالدم فهو عمل إنساني نبيل ففيه شفاء و إنقاذ لحياة مريض بعد الله عز وجل وتفريج كربة من كرب الدنيا، ففيه أجر بإذن الله كما أن هناك فوائد صحية للمتبرع ومنها تجديد وتنشيط مركز تكوين الدم للإنسان وذلك عن طريق تنشيط النخاع العظمي، كما أن من فوائد التبرع بالدم التأكد من سلامة المتبرع من الأمراض المعدية:(نقص المناعة المكتسبة والتهابات الكبد الفيروسية من نوع ب، ج، والزهري والملاريا) وذلك عن طريق إجراء الفحوصات المخبرية بعد عملية التبرع.

وقال د. شاكر العُمري: إن حكومتنا الرشيدة شجعت ودعمت الراغبين في التبرع بالدعم، حيث أنشأت المراكز للتبرع بالدم في مملكتنا الحبيبة في جميع المستشفيات وفي الحملات التي يقام بها في الأماكن العامة والمناسبات، ولله الحمد حرصت أسرتنا أسرة العُمري أن تكون عوناً للمجتمع، وذلك من خلال قيامها بحملات للتبرع بالدم في اجتماعها السنوي فقدت قام المنسقون لهذا الاجتماع مشكورين على التنسيق مع وزارة الصحة لكي يقوم أفراد الأسرة بالتبرع أثناء اجتماعهم في السنتين الماضيتين وقد شهدت هذه الحملة إقبالا كبيراً من أفراد الأسرة وستستمر هذه الحملة في الاجتماعات القادمة بإذن الله، وينبغي أن تقدم المؤسسات الطبية التسهيلات والإمكانات لتشجيع الأسرة على تنظيم حملات للتبرع بالدم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد