Al Jazirah NewsPaper Friday  05/03/2010 G Issue 13672
الجمعة 19 ربيع الأول 1431   العدد  13672
 
لماذا نخاف من النقد؟
د. سعد بن عبدالقادر القويعي

 

في الجلسة الافتتاحية للملتقى الأول للقضاء، الذي عقد في برج الفيصلية بالرياض - قبل أيام -، شن معالي الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين في ورقته، التي جاءت بعنوان: «لماذا التأهيل القضائي؟»، هجوماً عنيفاً على الإعلام الذي يتناول القضايا المنظورة أمام القضاء، أو من يكتبون معلقين، أو منتقدين الأحكام القضائية. وطالب القضاة في مداخلاتهم بوضع حد لهذا التدخل السافر من الإعلام في شؤون القضاة، وأنه يؤثر حتماً على القضايا المنظورة. كما يجب ألا يسمح لأحد بانتقاد الأحكام القضائية، ولا التعرض لقضايا منظورة أمام القضاء. وختم معالي الشيخ ورقته بالقول: «هذا جرس إنذار وعلينا أن ننتبه إلى ذلك».

معالي الشيخ: إن مما يكفل حقوق الناس ويحفظها وجود دوائر لتدقيق الأحكام القضائية، وأخرى تنظيمية تضبط شؤون القضاة، وتراقب أداءهم، وتحاسب المقصر منهم. وقد كفل النظام لأصحاب الحقوق حرية مخاطبة وزارة العدل، والمجلس الأعلى للقضاء، والتظلم لديها ضد تصرفات القضاة. كما أن ولاة الأمر - وفقهم الله - كفلوا للناس حرية التعبير، والنشر في وسائل الإعلام ضمن ضوابط النشر المعروفة، وليس أحد من موظفي الدولة وإداراتها مستثنى من توجيه النقد له، أو الاعتراض على قراراته في وسائل النشر المعلنة. بل لا يكاد يمر يوم لم نقرأ في صحفنا نقدا، أو اعتراضا على وزارة، أو إدارة، ما دام الناشر ملتزما بتوثيق ما يقول. وغني عن القول: إن هناك فرقا شاسعا بين الدين وأفراد المسلمين، والتعليم وأفراد المعلمين، والطب وأفراد الأطباء، والقضاء الشرعي وأفراد القضاة، فالدين والتعليم والطب والقضاء الشرعي من القيم الثابتة التي لا يتصور نقدها؛ أما أفراد المسلمين والمعلمين والأطباء والقضاة فهم بشر يصيبون ويخطئون، وينتقدون ويقومون، وليس ذلك انتقاصاً للقيم التي ينتمون إليها، وإنما هو محافظة عليها من أن يشوبها سوء تطبيق يشوه صفاءها، حتى لا تظلم القيم الثابتة، ولا يعمم الخطأ على جميع المنتمين لها، وإنما يتحمل كلٌ ما جنت يداه، لقوله - تعالي - ?وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى?.

وبالتالي: فإن القاضي ليس هو القضاء، وإنما هو أحد المكلفين بتنفيذ مهمة القضاء من الفصل في النزاعات، وغيرها بين الناس. ومن القضاة من يجتهد فيخطئ، وإذا لم يرجع إلى الحق فلا تثريب على من عمل بقول الله - تعالي -: ?لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا?. فمن جهر بمظلمته وأعلنها، لعل ذلك أن يعين القاضي على نفسه فيراجع حكمه. ومنهم من يسيء إلى القضاء، وإلى القضاة المقسطين القائمين بالحق، فالإنكار عليه علانية، وتمييزه عن غيره أبلغ في ردعه، وأسلم للقضاء وللقضاة الآخرين، حتى لا ينسب الظلم إلى القضاء الشرعي أو إليهم.

ما سبق، يدل على أن القضاة مسؤولون، ولا يمكن استثناؤهم من طائلة المحاسبة، وتتريههم عن الخطأ، أو التقصير. كما لا يجوز تحصينهم ضد المساءلة عن أخطائهم إذا ما تحققت موجباته، بل لا بد أن يكون محلاً للمساءلة الشديدة، من أجل المحافظة على هيبة وجلال الوظيفة القضائية، وبعدا بصاحبها عن كل ما قد يشينه أو يدنسه. لذا فقد حمل - سماحة الشيخ - عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ - مفتي عام المملكة - في إحدى المناسبات، القضاة ومنسوبي السلك القضاء مسؤولية الأمانة في أداء عملهم، والالتزام بالصدق في الأقوال والأعمال عند إجراء التقاضي بين المتخاصمين، والحرص على قضايا الناس وشؤونهم، وتحري الإنصاف والعدالة في ذلك، وعدم التهاون أو التساهل في حقوقهم.

إن نقدنا للأخطاء ليس هوى في نفوسنا، أو نزعة سياسية في مذهبنا، أو أيديولوجية فكرية في عقولنا. بل هو عقيدة وإيمان، متى التزم الناقد المعايير المهنية والأخلاقية. وليس لأحد أن يحجر على عقولنا، أو مصادرة آرائنا الناقدة، أو الحجر عليها، أو التشهير بها، مهما كان الفرق واسعا بين الناقد والمنتقد - كما يظنون -. فلولا النقد لما صلحت الأمور، ولا عرف أين مكمن الخلل. فبه يرتقي الوعي، ويرتفع الجهل، وبه نعبر عن آمالنا وطموحاتنا، ونطالب بحقوقنا وواجباتنا، دون معاداة من ينقد، حتى وإن كان هذا النقد لا يتوافق مع الرؤى والتوجهات. كل ذلك من أجل إظهار الإيجابيات وتأكيدها، وكشف السلبيات وعلاجها، إذ لا سقف هنا إلا سقف الضمير الإنساني.



drsasq@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد