يسيح القارئ مع معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر في ذكريات شيقة، ومعلومات واقعية وموثقة، وخاصة في السلسلة التي وصلت حتى الآن 16 كتاباً، باسم: وسم على أديم الزمن، لمحات من الذكريات....
|
.....ومع القراء في هذه الجولة الممتعة، في الجزء 15، ثم نعد القارئ الكريم بالجزء 16 بعد ذلك، فالدكتور أعانه الله ممن يرصد الذكريات في وقتها، لذا يعتبر صاحب منهج خاص في الرصد.
|
هذا الكتاب بقطعه المتوسطة، وحروفه ذات البنط الكبير، مريح للقارئ، تبلغ صفحاته 563 مع الفهارس والصور وما يلحق بها، ونبذة عن المؤلف وما صدر له من كتب التي جاءت في 78 صفحة، لتصبح الزبدة في 475 صفحة، كل صفحة معد لها 13 سطراً، وقد صدر في طبعته الأولى عام 1430هـ - 2009م خصص منها للمقدمة 9 صفحات من 5-14 .
|
وقد جاء في المقدمة أن هذا هو الجزء الثالث من الأجزاء، التي تصف حياة المؤلف بعد عودته من رحلة الدراسة، لدرجة الدكتوراه، ويدور مثل الأجزاء الثلاثة السابقة له، عن الجامعة وعمله فيها، والتطور الذي وصلت إليه في غضون سنتين تقريبا، سواء كان ذلك في عدد المدرسين أو الطلاب، أو المباني أو المعامل، أو مدى قبول الناس لهذه الجامعة الوطنية، التي لم يكونوا واثقين في يوم من الأيام، بأنها سوف تستمر، ثم بدأ يتحدث عما يشمله هذا الجزء، من حيث التنظيم والمدرسين والمرافق والامتحانات، وما يتعلق بمسيرة الجامعة المقدمة، وبالتفصيل في داخل الكتاب، حتى أنه لم يترك خصوصياته الأسرية، بخطبة زوجته وعدم شفاعته لابنه، بعدما تخرّج من الجامعة، ليعطيه ثقة بنفسه عصامياً لا يتكئ على الشفاعات أخذاً من قول الشاعر كما حصل لأبيه من قبل:
|
ليس الفتى من قال كان أبي |
إن الفتى من قال ها أنذا |
وأوضح في ص15 عن بدء تدوين معلوماته بهذا الجزء، من يوم الجمعة 22 ربيع الآخر عام 1382هـ، حيث عّوْدَه المدرسون.
|
ولأن هذا الكتاب، وما فيه من معلومات، ينبئ عن أحداث مهمة، في مسيرة الجامعة ونموها، والرابطة الاجتماعية التي دونها المؤلف، فإن المجال المتاح لا يتحمل عرض الكتاب كاملاً لأنه كتلة واحدة مترابطة أحداثه، لا يتجزأ، نقرب ذلك بقول أعرابية في أولادها لما سألت أيهم أحبّ إليك، قالت: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفى، والمسافر حتى يعود، بمعنى أنهم في المحبة سواء، وهذا ما نقوله عن الكتاب.
|
فإن من يقرأه يحتار، بماذا يبدأ وماذا يدع، لأنه كالبستان بثماره، وما ذلك إلا، فيه من معلومات هي سجل تاريخي للجامعة ونموّها، ونظرة فاحصة للمجتمع وما فيه من عادات أثبتها برصدها، وستكون مرجعاً في مستقبل الأيام، ومن هذا سوف نراعي التقاط بعض عناوين الفهرس، كرقم عشوائي نعرضه للقارئ تشويقاً لما سيجد في ثنايا الصفحات من معلومات ذات أهمية، في المسيرة التعليمية وفي كثير من العادات الاجتماعية والتواصل في تلك الفترة.
|
مع الاعتذار لمعالي المؤلف عما يجد من قصور، ولكن نقصد تشويق القارئ، لتكمل متعته بقراءته للكتاب وما يجد من فوائد.
|
في ص24 تحت عنوان عُقَيْل في مصر، قال: هم تجار من القصيم يرحلون بإبلهم إلى الشام، ويقعدون ومنهم من يبقى، ومنهم من يجيء إلى مصر، امتداداً لتجارتهم وللصرافة، ويتوطن فيها، وقد تعرفنا على بعضهم عندما كنا طلاباً، واستمرت الصلة بهم وبغيرهم من أمثالهم، عندما بدأنا نحضر للتعاقد، وذكر بعضاً من أبرزهم، وقال: وقد تركز بعضهم في محلّة إمبابة في القاهرة.
|
وفي ص64 تحدّث عن معهد الإدارة في نشأته، فقال: لقد أصبح معالي الأخ محمد أبا الخيل، الآن مديراً لمعهد الإدارة ومنذ تعيينه وهو يضع الأسس لسير المعهد على أعمدة قوية، في الإدارة وفي العمل العلمي والعملي، وقد طلب في هذا اليوم نماذج للاستمارات التي يملؤها الأساتذة عندما يرغبون التعاقد مع الجامعة، وكان هناك هدفا آخر، وهو الاطلاع على الاستمارات، التي تخص بعض الأساتذة، في كلية التجارة، بهدف الاستفادة منهم، للتدريس غير متفرغين في معهد الإدارة.
|
وفي ص107 لمعاليه نظرة في الوساطة، إذْ تحت العنوان: اختيار آخر ووساطة، قال: في يوم السبت 13 جمادى الآخرة، أجري امتحان للمتقدمين للمرتبة الثامنة، وكان هناك شخص أوصى به، أحد معارفنا، إلا أنه لم ينجح، والوساطة دائماً تبرز في الأمور التي فيها مسابقة، أو أن المتقدم طالباً أو موظفاً، لا يشعر كثيراً بكفاءته، ويؤمل أن يرفدها بالوساطة، والوساطة لها جوانب متعددة، ومحكومة بأمور طبيعية، ومن الأمور التي تواكب الوساطة، أن المتوسط يكون محرجاً فيتقدم خطوة، ويتأخر خطوة، قبل أن يُبدي وساطته، ويبديها على استحياء، (ثم أفاض في موضوع الوساطة التي لا يميل لها، لأنها تحرم مستحقاً وتأتي بمن لا يستحق).
|
ثم أشار إلى أنّ صاحب الوساطة، أو من دخل في موضوع أياً كان، فإنه يفرض ما توسط به، رغم أنه لا يستحق، وبعض أصحاب الوساطة يبدأ بلسانه البذيء الطويل، إلا أن المؤلف له أسلوب خاص في المعالجة، أولاً: لا يذكر اسمه بل يقولك فلان.
|
كما في ص265 - 274 متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم، في التعريض دون التسمية في قوله الكريم: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أو يفعلون كذا وكذا)، وهذا منهج جيد، يعبر عن المراد، ولا يلزم نفسه بشيء، ويحذر الذكي من الدخول في الأمر.
|
- كما أنه في هذا الكتاب: دقيق في مناقشته الموضوعات، مع بعض الأشخاص، ويتناسى الأمور الشخصية، حتى لا يفشي سراً، من أسرار العمل، أو لا يخرج أحاسيس من له علاقة بالموضوع، وهذا كثير عنده فيما رصده بالمذكرة، رغم أن القارئ يود معرفة النتيجة التي حُجبتْ.
|
كما أنّه وفيٌّ مع كلّ من عرفه، في سفر أو حضر، فيثني على الحيّ، ويذكره بمحاسنه، ويترحم على من توفي، ويذكره بالخير.
|
أما مع معارفه وذوي قرابته والعاملين عنده، فإنه وفيّ لهم، ويذكر محامدهم، صبياً أو مستخدماً أو صاحب وظيفة صغيرة، فيوفيهم فوق ما يستحقون: ثناءً وتقديراً وعرفاناً بأعمالهم، مما يعلي منزلته عندهم، والوفاء بالإحسان إحسانا، فهذا الصبي الحضرمي، الذي يعمل في البيت عنده، واسمه عمر، ورد اسمه كثيراً، ويثني على ما يكلف به من أعمال منزلية نموذج ذلك ما جاء في الصفحات: ص111، ص324، ص330 وغيرها، ويذكر لكل واحد أمانته واهتمامه بما يوكل إليه.
|
- أما عن عاطفته الأسرية، مع والدته وبرّه بها، ووالده عندما يمر عليه، فهذا شيء لا مراء فيه حُباً ووفاء ودعاء وبرا، ولما كانت الخالة بمنزلة الأم، فقد ذكر خالته حصّة، في ثلاثة مواقع متقاربة، ففي ص300، قال: الخالة حصّة أكبر من الوالدة، وهي من والدتي بالرضاعة، ونحبها كثيراً، وقد وصلتْ الرياض في هذا اليوم السبت 27 شوال، مع ابنها أخي: صالح العبدالعزيز العضيبي، وقد سبق أن تحدثت عنه، وعن انتقاله من الرياض إلى عنيزة، وكانت سعادة الوالدة بها، وهي بالوالدة لا توصف، وكانت هذه آخر رؤية لها، بعضهما لبعض، وقد كفّتْ الخالة - رحمها الله- في آخر أيامها، ولم تكن لها من قبل إلا عين واحدة، وكانت رحمها الله، لا تعبأ بهموم الدنيا، تقبل ما يأتيها، ولا تركض خلف ما يبعد عنها، أو يتعسر.
|
وفي ص308 قال عنها: اليوم الأول من القعدة، والخالة حصّة لا تزال عندنا، وقد رغبت هي والوالدة أن أتصل بأسرة الوابل، لأن زوجة عبدالرحمن الوابل، هي حصة عبدالعزيز القاضي، أخو والدتي وخالتي من الرضاعة وابن عمهما وقد تحدثت عن زيارة الخال عبدالعزيز إلى مكة في الجزء الرابع ص385، وهذا سبب حرصهما على الاتصال بها في مدينة الخرج، وابنا حصّة هما: علي الوابل وعبدالله، وكان عليّ أكبر مني، أما عبدالله فهو في سني، وكان معي في الصف التحضيري في المدرسة السعودية بعنيزة، ولا أذكر أننا تقابلنا بعد أن تركت عنيزة إلى مكة، وهذا من نماذج الوفاء عنده، لكل فرد بحسب مكانته وقرابته ذكريات يسعد بها صاحبها أو ورثته.
|
وفي ص315 قال أعود للمرة الثالثة للخالة حصة، وأرجو ألاَّ ألام إذا عُدت إلى موضوعها لأني أحبها، وأقل ما يجب لها عليّ أنْ أقول شيئاً يجعلني أختمه بالدعاء بأن يرحمها الله، ويسكنها فسيح جناته، في هذا اليوم الأربعاء الثاني من القعدة، سافَرَتْ رحمها الله لعنيزة، وكما ذكرت فهذه آخر زيارة لها، ولكني زرتها بعد ذلك في مناسبات مختلفة، حيث تسكن مع ابنها صالح، وكانوا حينئذ يسكنون في حي الضّبط، الذي سبق أن تحدثت عنه، وأن فيه مسقط رأسي، وأشقائي حمد وحصة، أما نورة ففي مكة المكرمة، وفي إحدى الزيارات وجدتهم يسكنون في الضبط، في بيت بُنِي حديثاً على سور حائط (مزرعة) الوسيطا، وليس بينه وبين البيت الذي ولدت فيه، إلا ما يقرب من عشرة أمتار، ولكن هذه البيوت سرعان ما أُخِذتْ عن طريق نزع الملكية، لمدرسة تحفيظ القرآن كما سبق أن ذكرت وانتقل الأخ صالح إلى بيت آخر في الضبط، وقد زرتهم، أثناء زيارة الملك رحمه الله لعنيزة (ص316).
|
- وفي ص357 عن اهتمامه في مكتبة الجامعة بالمجلات القديمة، لأنه يرى أن المكتبة العامة، لا تكتمل إلا أن اكتملت أقسامها المختلفة، ومن الأقسام المهمة في أي مكتبة، قسم المجلات القديمة والصحف لأهميتها في البحوث، وتحدث عن الجهد الذي بُذِل: شراء وإهداء، بعد الإعلان عن ذلك فتوفر بخطوة ناجحة، زيادة الثروة المكتبية، مع المساعي التي بُذِلتْ بهذا الصدد (357 - 360).
|
|
جاء في الأذكياء لابن الجوزي: أن ابن طولون، رأى يوماً حمالاً يحمل صندوقاً وهو يضطرب تحته، فقال: لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لغاصت عنق الحمّال، لكن عنقه بارزة، وما هذا إلا من خوف ما يحمل، فأمر بحط الصندوق، فوجد فيه جارية مقتولة، وقطعت، فقال: أصدقني عن حالها، فقال: أربعة نفر في الدار الفلانية، أعطوني هذه الدنانير، وأمروني بحمل هذه المقتولة، فضرب الحمال مائتي سوط وأمر بقتل الأربعة.
|
وكان ابن طولون يبكر ويخرج فيسمع قراءة الأئمة في المحاريب، فدعا بعض أصحابه يوماً وقال: اذهب إلى المسجد الفلاني، وأعط إمامه هذه الدنانير، قال: فمضيت وجلست مع الإمام وباسطته حتى شكا أن زوجته ضربها الطلق، ولم يكن معه ما يصلح شأنها، وأنه صلى فغلط مراراً في القراءة، فَعُدتُ لابن طولون، وأخبرته، قال: صدق لقد وقفت أمس فرأيته يغلط كثيراً، فعلمت شغل قلبه (73).
|
|