يعلم الله صادقاً لو يعطى من العمر شيء لأعطيتك من عمري سنوات، لأنك الأقدر مني خدمة للمجتمع.
ومنذ أن امتهنت الصحافة وأنا حريص كل الحرص على وجود تلك المسافة الفاصلة التي تفصل بيني كصحفي وبين المسئول، كبيراً كان أو صغيراً, حتى تعبر من خلالها مشاكل ومعاناة المواطن صغرت أم كبرت رغم حرص معظم المسئولين على تضييق هذه الفجوة جداً حتى يضمن ذلك المسئول ويرتاح من إزعاجات ودوشة الصحفي التي تخرجه أحياناً حتى عن طوره إذا كان ذلك الصحفي من تلك النوعية المنحازة للقارئ الذي يريد أن يرى معالجة لهمومه ومشاكل في الجريدة التي يدفع ثمنها من قوت يومه كل صباح.
ولا أذكر أن هناك استثناء من هذه القاعدة سوى عدد قليل من المسئولين الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة والذين أيضاً يشجعون الصحفي - إذا لمسوا صدقه - على أن يكتب ما يشاء بدون احم أو دستور كونهم وزراء أو وكلاء أو مديرين يملأون مناصبهم ثقةً وتفعيلاً وحراكاً ومن الذين أيضاً يضيفون إلى المنصب لا المنصب هو الذي يضيف إليهم.
ولا أكتمكم سراً إذا قلت: إن الدكتور غازي القصيبي وزير العمل أحد هؤلاء الكبار، فقد أضاف إلى المنصب الشيء الكثير وهو أديب وشاعر تتحدث عنه الركبان قبل المنصب وبعده رد الله غربته وأعاده إلينا سالماً معافى.
ولا زلت أذكر أبا يارا عندما تسلّم زمام وزارة الصحة وكيف أخذ يغربلها من رأسها حتى أخمص قدميها وكيف فوجئ المواطن بتحسن الخدمات الصحية في فترة قصيرة جداً بعد أن أصبح يجد له سريراً إذا مرض ويتسلم الدواء فور كتابة الطبيب روشته الدواء.
كل ذلك لأن أبا يارا الوزير الجديد يفاجأ قطاعات الصحة حينها بزيارات غير مبرمجة تربك الخامدين والمتقاعسين وتقول لهم: أنا هنا لا نامت أعين الجبناء.
في كل الوزارات التي تسلّمها أبا يارا كان وزيراً يضرب به المثل حتى من كانوا يختلفون معه أكدوا أنهم يكنون له الاحترام والتقدير.
لم أقابل الرجل في حياتي ولكن في كل انتقاداتي الشديدة لوزاراته المتعددة -وخاصة وزارة الصحة- لم ألمس أو أسمع يوماً عن تذمره أو غضبه سوى مرة واحدة عبارة عن توضيح لمعلومة صحيحة لم أكن على دراية بكامل جوانبها.
وهكذا هم الوزراء الشجعان الأكفاء الذين يملأون مراكزهم ديناميكية ومقدرة وعطاءً ولو الأمر بيدي لأعطيتك أيها الوزير الشجاع الشهم المعطاء سنوات من عمري لتحقيق بقية أمنيات أعرف أنك لم تحققها للمجتمع في وزارة العمل بسبب المرض -شفاك الله- ولكن ستظل كبيراً وذهنك الثاقب الوقاد وبعد نظرك هو الذي اختار كفاءة ومقدره مثل الدكتور عبد الواحد الحميد نائباً له.
* صحفي من ذلك الزمن