ذات مرة كنت أتجول في معرض الكتاب السنوي في الكويت لاقتناء بعض الكتب الصادرة حديثاً وبينما أنا كذلك اقترب مني شاب عليه ملامح الرعب وهو يلتفت ذات اليمين وذات اليسار. تماماً كما يفعل باعة الممنوعات وقال لي بصوت (مهموس) وهو يقدم لي كتيباً صغيراً يشبه المطوية: عفواً أستاذ يشرفني أن أهدي لكم نسخة من ديواني الأول الصادر حديثاً والذي منعته الرقابة من الاشتراك في المعرض بالطبع حينها فرحت وتفاءلت خيراً لأنني سأقرأ كتاباً مهماً أرعب وزارة الإعلام وإدارة المعرض، وقلت سأعثر على شيء هام به لا محالة لذا رحت أجامل الفتى وأنا أتصفح الديوان، وقبل أن أقول له (عقبال المجموعة الكاملة) أيها الشاعر الفذّ كنت قد قرأت أغلب ما جاء في الديوان من (عصائد) (تدبل الكبد) لكثر ما بها من رداءة (نحوية، شعرية،) و(سوالف ملخبطة) تحجل بين العامي والفصحى ليس فيها من الوزن والجرس الموسيقى والمعنى أي شيء على الإطلاق. وحينما أراد الله سبحانه وتعالى أن ينقذني من ذلك البلاء فإذا بالصديق القاص خلف الحربي يتقدم إلي ويقول يا أستاذ أنني أعمل تحقيقاً صحفياً لمجلة الغدير تحت عنوان (أسوأ كتاب قرأت؟)! وأردف خلف والآن يا أبا سامي ما هو أسوأ كتاب قراءته في المعرض وهنا لعب الفأر بعبي انحيازاً للشعر ضد الأدعياء وقلت له على الفور هذا (الدويّن) لهذا (الدويّن) وأعطيت الديوان لخلف وأشرت للشاعر لكي يضيفهما إلى تحقيقه ولكن خلف انفجر بالضحك وقال لي: هذا الموقف لوحده يختصر لي التحقيق كله. وبالفعل نشر خلف ما قلته حرفياً عن ذلك الديوان السيئ بالطبع بعد ذلك اتجهت أنا والصديق خلف إلى الصديق سهل العجمي الذي كان يشرف على المهرجان وقلنا له: يا سهل لماذا تقمعون الإبداع، لماذا تحاصرون الفكر، لماذا تلعبون بحرية الكاتب. وهنا سألنا سهل ما الخطب؟! فقلنا له ديوان فلان وهنا ضحك سهيل أكثر مما ضحك خلف وقال: نعم لقد منعنا الديوان نظراً لرداءته ولننقذ القارئ من هذه الرداءة. وهنا قلت له: هذا أفضل من منعكم للكتب الأخرى - لأن منع هذا الديوان يعتبر إنقاذاً لذائقة القارئ، هذه الحكاية (الرقابية) تذكرتها اليوم بسبب لعلعة المثقفين الاستباقية ضد الرقابة التي ستقوم بها وزارة الثقافة والإعلام قبل معرض الكتاب على الكتب المشاركة فيه وذلك لأن المنع بواسطة الرقابة سيروج للكتاب مهما كان تافهاً ومن هنا فإن دور النشر العربية سرعان ما تهرول إلى طباعة ما هو ممنوع مع معرفتهم الحقة بتفاهته ولكنها تعرف أن ثمة قارئ مخبول يلهث خلف كل ما هو ممنوع، تماماً مثلما أصبح شاعرنا صاحب الحكاية نجماً ولكن عند أمثاله فقط حينما طنطن) بقصة المنع (!!)