الذين سبق أن درسوا في الحوزات العلمية الشيعية سواء في النّجف أو في قم، يعلمون أنّ الدراسة وتلقين العلم والفقه الاثني عشري، بل وحتى تدريس اللغة والفلسفة ومواضيع النقل والنّص والحديث والتفسير، جميعها تعتمد على الحوار وفتح باب النقاش بين العالم الذي يلقي الدرس، وهم في الأغلب من المراجع الكبار، وبين الحضور من طلبة العلم الذين يتهيؤون لنيْل الدرجة العلمية المذهبية.
الحوار والتأمُّل والطلب من (المقلد) الذي يتلقّى العلم من المرجع الديني أن يقدم بحثاً أو أطروحة هي في مجملها تجمع بين العلم الشرعي والفقهي، وبين الوعاء الفلسفي الذي لا يمكن أن يحصل دون أن يستغرق مُعِدّ الأطروحة في فترات تأمُّل يتوصّل من خلالها إلى استنباط الجديد الذي يضمنه أطروحته لنيْل الدرجة العلمية.
هكذا هي الدراسة أو تحصيل العلم في الحوزات، وهي تقريباً طريقة شبيهة لدى كلّ من يتلقّى العلم من طلبة العلم من كبار العلماء، فالشيوخ يقدّمون عصارة علمهم وطلبة العلم يتلقّون العلم (جثواً على الرُّكب) وهو لا يزال مُشَاهَداً في الأزهر وفي الحلقات التي يعقدها المشايخ في الحرم المكِّي والحرم النّبوي وجوامع الرياض.
إذنْ العالِم، أو لنقُل طالب العلم ومتلقّيه من الشيوخ عند أهل السنّة والمراجع الكبار عند الشيعة، يرتكز على أسس وأصول الفقه والتشريع والحكمة والتأمُّل، وبالتالي فإنّ هؤلاء الشريحة من البشر هم أكثر الناس غرفاً للحكمة وأكثر تأنِّياً في إصدار أحكامهم، وأن يكون تعاملهم دائماً محكوماً باقترابه من الصواب.
هذا القول هل نجد له وجوداً لدى المتشدّدين من كلا المذهبين الأكثر انتشاراً، ولدينا مثالان على أرض الواقع، فنرى فتاوى وأفعال المتشدّدين من أهل السنّة شططاً وبُعداً عن الحكمة والتأنِّي والتأمُّل، وأفعال القاعدة أكبر دليل على ذلك.
أما في المذهب الشيعي فيقدم نظام ولاية الفقيه نموذجاً صارخاً ليس فقط في التخلِّي عن حكمة ووقار وتأمُّل الفقيه، بل خروجاً حتى على أصول وتربية العلم والتعلُّم في الحوزات العلمية، مما يُعَدّ خروجاً فاضحاً حتى عن الفكر الشيعي.
jaser@al-jazirah.com.sa