Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/03/2010 G Issue 13669
الثلاثاء 16 ربيع الأول 1431   العدد  13669
 
نوافذ
الهجرة
أميمة الخميس

 

ظل مورد الرزق ومصادر العيش هي البوصلة التي تتحكم بالتجمع والعمران البشري، فالجغرافيا هي التي تصنع التاريخ، وتتحكم بالكثافة االسكانية للشعوب بجوار الأنهار أو المناطق الخصبة.

ونتيجة لتصحر جزيرة العرب أصبحت بيئتها طاردة وانطلق منها مئات القبائل السامية المهاجرة باتجاه الشمال وهو ما شق العرب إلى عاربة ومستعربة، ويفسر المؤرخ والإنثربولجي فاضل الربيعي في كتابه (شقيقات قريش) هذه الهجرات من خلال بعدها اللغوي، فبنو قحطان هم العرب العاربة التي ظلت في الجزيرة العربية التي تعاني من القحط والجفاف وندرة مصادر العيش، بينما بنو عدنان أتت من الفعل (عدن) أي استوطن في أرض خصبة ذات ماء وثمر وهم العرب المستعربة الذين قصدوا الشمال.

لكن التاريخ الحديث صنع هنا أحدى منعطفاته بعدما برز اقتصاديا على مستوى العالم مصطلح الدول المصدرة للنفط، بعدما أصبحت الجزيرة العربية وضفافها موطناً لثروات هائلة و تحولت إلى مضخة للوقود العالمي.

بالطبع هذا الواقع الاقتصادي الطارئ على اقتصاد الندرة والفقر، خلق كثير من الظروف والتحديات التي جعل العرب العاربة ينهضون بمدنهم الخارقة في وجه القحط والرمال، وأصبحت هناك هجرة معاكسة إلى الداخل بل باتت المنطقة تستقطب آلافاً من راغبي العمل من جميع أقطار العالم.

ومن هنا أصبح هناك تهديد بالتخلل النسبي بين السكان الأصليين وبين طالبي الرزق والباحثين عن الفرص داخل اقتصاد قوي وواعد، وبات مأزق بعض الدول الخليجية هو تحقيق التوازن الديموغرافي بين السكان الأصليين، و الأيدي العاملة القادمة من جميع أصقاع الأرض، بخبرات قادرة على تلبية متطلبات سوق العمل القائم على التنافسية والجودة.

بالطبع كثرة العمالة المهاجرة لها أبعادها الإنسانية والأمنية الخطيرة، أيضاً من الممكن أن تؤدي إلى الضغط على البنية التحتية الخدماتية و التأسيس لبؤر تنمو من خلالها عصابات التهريب والإرهاب والجريمة المنظمة.

ومن هنا فإن شروط الأمن القومي المحلي تبرز أهمية الدعم الكبير لمناطقنا الحدودية في الجنوب، فالمنطقة الحدودية الجنوبية تحتاج إلى عملية تأهيل كبرى على مستوى البنى التحتية، وأيضاً على مستوى ضخ المشاريع الاقتصادية بها، المشاريع التي توطن اليد العاملة المحلية بها وتسرع عجلة التنمية هناك.

ومن هنا أيضاً تأتي أهمية توصيات مؤتمر لندن فيما يخص بدعم المشاريع التنموية في اليمن، فلا بد أن يكون للعالم عموماً و لدول الخليج على وجه الخصوص بصمة واضحة في اليمن عبر استجلاب استثمارات اقتصادية كبرى تخلق فرص العيش والاستقرار الأمني والسياسي، وعدا عن ذلك ستتحول اليمن السعيدة إلى حاضنة كبرى للكثير من حركات العنف.

واليوم بعد أن تطهر الجنوب من الفلول الغازية لابد في المقابل أن نبدأ بالالتفات إلى جارنا الحزين من بقايا العرب العاربة والذي يكابد الصعوبات الاقتصادية، وتهلهل بنيان الدولة داخله، والذي من الممكن أن يتحول إلى بؤر وحواضن مستقبلية للإرهاب.






 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد