Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/03/2010 G Issue 13669
الثلاثاء 16 ربيع الأول 1431   العدد  13669
 
لما هو آت
الأبقى...!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

لو أن للقراطيس أن تُسمِعَ صوتها للبشر، لما استطاع أن يعبر واحد منهم دون أن تصك أذنيه أصواتُها... فهي منذ البدء ماعون القول، ومنتهى الإيصال، وأداة الإبلاغ، حتى في محكم التنزيل شُبِّهت بها السماء في عاقبتها، يوم {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ}... وما السجل غير القرطاس..

ومفهوم القرطاس من مادة صناعته، والناس ألفت وتوقفت عند الورق.. وفيه يجدون كل محبَّراتهم، من آدابهم، وفنونهم، بحكاياتهم، وفكاهاتهم، وتأريخهم وسيرهم، وتشريعاتهم، وقوانينهم، ورحلاتهم، وعلومهم...

وهذا الورق لم يكن سواه بعد أن تطورت صناعته وسيلة للتدوين والتحبير والتسجيل بين يدي الإنسان، لذا اخترع منه الألوان، والأحجام، والأشكال بما يُوافق أغراض التدوين، واستخدام المرء، وتطورت وسائل الحفظ فيه من الشكل الكتابي الفردي، إلى استخدام الآلات في طباعة مكنونه، لذا تقاطر النشر، وتفنن فيه الإنسان، والدليل متعدد المؤشرات، واضح التوثيق، وها هي تعج بالقراطيس من كتب، وأوراق لكل الأغراض، وسجلات أعمال، ومواثيق مختلفة المصادر... وأكثر ما يحيط الإنسان منها تلك الكتب التي فيها يتلقى معارفه من علم وثقافة وتعلُّم ودراسة، وتلك التي تمده بمعطيات فكر الآخر من أدب وفن وتاريخ وتذكير، ومتع ترسل دلائل حروفها عذبة يتشرّب ما فيها، ويضيف إلى ما عنده، وتنقل له واقعه، وتربطه بماضٍ أو حاضر سواء في كتاب درس، أو صحيفة سيارة...

هذا الورق الذي يجتمع إليه الناس, ويسعون من كل مكان، ويتحلقون على فرز ما فيه، وبسط الأفكار عما يحتويه، ويعدون له من خزائنهم حفنات، ويبتهجون حين اقتناء أوعيته المحبَّرة ما شاءت لهم أرواحهم، تُقام له المعارض، وتُعقد حول مكنونه الجلسات، وتعلو في نقاش ما يسجل فيه الأصوات، وهو يسمع في صمت يقظ، ويحتمل كل تحرك به وهو شامخ هادئ واثق... هذا الورق لم يعد أديمه خامته المعهودة، إذ زاحمته مع موجات التطور الذهني للإنسان، في تطويع وسائل أخرى للتوثيق والتحبير والتدوين، هل سيبقى له الوفاء من الشر، ما بقي هو وفياً لهم في الحفظ وصون حركاتهم وسكناتهم ونبض عقولهم ووجدانهم، بل حركة أقدامهم على الأرض؟... وهناك من تحرضه المستجدات لإقصائه يوماً بمثل ما يعمل الإنسان على محو كل أصيل في حياته بدعوى صوت الواقع؟

ثم، ترى أي الأصوات ستكون لها الغلبة على مدى قادم بعيد في حياة البشر...؟ الأبقى كما القراطيس سجلاً...؟ أم الأسرع كما اللمحة لمعة...؟ ربما يتفكَّر في هذا, من يجتمع اليوم مع نفسه في بهجة رحلة نحو معرض الكتاب، وتجليات حواراته ومقتنياته.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد