الحمد لله على آلائه, والشكر له على نعمائه, وأصلي وأسلم على خيرة أصفيائه, نبينا وقدوتنا محمد, وعلى آله وأصحابه وأوليائه, وبعد:
فلقد أفاء الله علينا نعمًا عظيمة, وآلاء متجددة, في بلدنا العزيز, ووطننا الآمن, مملكة الحب والوفاء, والإنسانية والعطاء المملكة العربية السعودية, هيأ الله سبحانه لنا قيادة حكيمة, أتم الله بها علينا النعمة, وأجزل بها لنا العطاء, فإمامنا المقسط, وولي أمرنا, ومليكنا المحبوب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود -أمد الله في عمره, وأيده بتأييده, وحفظه ذخرًا للإسلام ولوطننا وطن الإسلام- مدرسة في كل شأن, في الحنكة والسياسة, والإنسانية والبذل, ومحبة شعبه والقرب منهم, والقيام بالمسؤولية, وأداء الأمانة إلى درجة الإشقاق على النفس, والقسوة عليها, فيحق لنا أن نقول: إن ولاية خادم الحرمين الشريفين -يحفظه الله- من نعم الله العظيمة, وإن من الإجحاف والجحود عدم الاعتراف بهذه الآلاء, وعدم إدراك هذه النعم, بل تلك السمات القيادية, والخلال والمواهب الربانية التي انعكست آثارها على ما تعيشه مملكة الإنسانية في كل مجال, رسم من خلالها وبمعاضدة ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز, وزير الدفاع والطيران, وسمو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية -حفظهم الله, وزادهم تمكينًا وعزًّا- سياسات بعيدة المدى, واستراتيجيات تجعل هذه المملكة في مصاف العالمية, وتكون سمعتها في المحافل الدولية مضيئة, وها هو -يحفظه الله- في كل مناسبة يعلن رؤيته للواقع العالمي, وينادي في كل محفل بلغة السلم والسلام والتعايش والتعاون على البر والتقوى والخير, حتى أصبحت مملكتنا -ولله الحمد- بقيادته رمزًا للمحبة والسلام والبناء, وأصبح -يحفظه الله- بمواهبه وسماته حاكمًا عادلاً, ورمزًا للشهامة والإباء, يعيد لنا أمجاد السلف, ويذكرنا بحقبة الخلفاء الراشدين, قريب من مواطنيه على سجيته, لا يكل ولا يمل في سبيل كل ما من شأنه تحقيق رضا الله ثم إسعاد مواطنيه, وإنّ مما تحقق في عهده الميمون, وحكمه الراشد إنجازات قياسية, تعد في مقياس الزمن إعجازًا, لأنها قفزات نوعية تقود مملكتنا الغالية إلى مصاف الريادة والعالمية في كل مجال وفي مجال التعليم والتعليم العالي على وجه الخصوص, فالمتأمل والراصد لعهده الميمون, وما توالى فيه من إنجازات قياسية يدرك أن هذا الشأن همّ أساس, ويقرأ في هذه الشخصية الفذّة الرؤية البعيدة, والحرص الشديد على الارتقاء والنهوض والتطور بدرجة قياسية, لا يملك المسلم إلا أن يرى في ذلك منحة إلهية, ومنة على هذا الوطن لا ينقصها إلا الشكر والعمل الجاد المخلص, إذ إن من المسلمات والثوابت أن الارتقاء والنهوض بأي أمة لا يمكن إلا إذا كان التعليم والبحث العلمي دعامة أساسية له, فأثر هذا الجهد والعمل والدعم والرعاية, والمبادرة والمسارعة من صاحب القرار الأول, ورائد التعليم العالي نقلة نوعية متميزة في مسيرة التعليم العالي, وتجسد هذا الاهتمام في حضارة علمية, بل وإبداعية لم تشهدها مملكتنا, ولذا يحق لنا أن نفخر بأن هذا عهد التعليم العالي, والبناء الحضاري, والإسهام المميز, الذي سيبقى في ذاكرة التأريخ, وتتداوله الأجيال جيلاً بعد جيل, تردده كما رددت شأن حضارة المسلمين في الأندلس وفي بغداد وغيرهما من حاضرات العلم في الحقب التأريخية الغابرة, وسيُنظَر إلى منشآت التعليم العالي على أنها بيوت حكمة كما حفظ التأريخ بيت الحكمة في الخلافة العباسية, ولم تكن هذه النقلة النوعية مقتصرة على البنى التحتية, والخطط الاستراتيجية فحسب, بل كانت نهضة شمولية, استهدفت أركان العملية الأكاديمية, ومن أهمها رأس المال البشري «الطالب», فهو في نظر القيادة الاستثمار الأمثل, والرافد الأساس للتنمية المستدامة, والتطور المعرفي والثقافي والحضاري, فإذا ما تم الاعتناء ببنائه واستثمار طاقاته, وتوفير متطلبات النهضة والتقدم, وآليات البناء والنماء, وكانت تنشئته تنشئة وسطية, تؤسس فيه الانتماء الحقيقي والولاء الصادق, والبعد عن مسالك الغلو والجفاء والإفراط والتفريط, وفتح المجال لتلك الطاقات الكامنة أن تبحر في عالم الإبداع والتميز, فإن هذا الاستثمار ستكون مخرجاته جيلاً قادرًا على العطاء, فاعلاً مؤثرًا في مجتمعه, يستشعر عظم الأمانة, وثقل المسؤولية ليؤديها كما ائتمنه الله عليها, وكما أراد منه ولاة الأمر -أيدهم الله-, ومن هنا قامت وزارة التعليم العالي باستلهام نظرة القيادة ورؤيتها, وسعت سعيًا حثيثًا لتحقيق تطلعاتها, وعملت على توطين الخبرة العالمية, واستجلاب التجارب النافعة, ولعل من آخر الإنجازات الوطنية -وليس لها آخر- ذلك المؤتمر الفريد, والتظاهرة العلمية المتميزة التي تديرها عقول طلاب وطالبات التعليم العالي, وكانت تجربة ناجحة نفذتها وزارتنا المباركة وزارة التعليم العالي بقيادة وزيرها الناجح, وربانها الماهر معالي الأستاذ الدكتور خالد بن محمد العنقري في أوساط المبتعثين, ونجحت أيّما نجاح, فكان القرار الصائب, والرؤية الناضجة أن يتم عقد هذا المؤتمر في المملكة كتجربة رائدة, وبادرة غير مسبوقة لا يزايد على نجاحها -بإذن الله-.
والحق أنني باعتبار المسؤولية أستشرف من خلال هذا المؤتمر الطلابي الأول مستقبلاً واعدًا, وتجربة مؤثرة في مسيرة التعليم العالي من خلال أبعاد كثيرة, أهمها: ما تضفيه الرعاية الكريمة, والدعم غير المحدود من قائد مسيرة التعليم العالي خادم الحرمين الشريفين من أهمية بالغة, ومؤشر أكيد على تميز وإبداع على المستوى الوطني والإقليمي والعالمي, ثم ما يثمره هذا المؤتمر من إشعار طلاب مراحل التعليم العليا بمسؤوليتهم ومكانتهم, وما يؤمله الوطن منهم, وما تنتظره المرحلة القادمة من إسهامات بعيدة المدى -بإذن الله-, وأمر ثالث وهو: ما لهذه المسؤولية من أثر في تنمية الولاء الصادق, والمحبة الحقيقية, والانتماء المؤثر للوطن ولقيادته, تلك المقومات التي تعد أسسًا للحماية الفكرية من أفكار التطرف والإرهاب والعنف الذي اكتوت بناره بلادنا المباركة حماها الله من كل سوء, وأخيرًا فإن هذا الإنجاز الوطني المتمثل في إقامة هذا المؤتمر غير المسبوق يعد تجربة عالمية, وعُرفًا أكاديميًا متبعًا في كثيرٍ من مؤسسات التعليم العالي العالمية, فالعمل على إقامة هذه التجربة وإنجاحها يعد استفادة مثالية من تجارب ناجحة, لها أثرها الكبير في تنمية كثيرٍ من المهارات الشخصية, ولهذا فإن هذا الإنجاز الوطني المتميز والفكرة التي تبنتها وزارة التعليم العالي لما يسجل لخادم الحرمين الشريفين ويظهر رؤيته العالمية, من خلال توجيهه ودعمه لمسيرة التعليم العالي كي يفيد من التجارب العالمية, من خلال الابتعاث, وكذلك من خلال تواصل الجامعات السعودية مع الجامعات العالمية ذات السمعة العالية والخبرة الكافية, والإنجازات العلمية والبحثية, بهدف توطين الخبرة العالمية بما يحقق التنمية الشاملة المستدامة, والريادة العالمية السعودية التي تتميز بالأبعاد العالمية ذاتها مع خصوصيتها في قيامها على الأسس الشرعية, والثوابت الأساسية التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة, والاستقامة والنهضة, فلقد أبان هذا الهدف المليك المفدى, حيث قال -سدد الله قوله- في مناسبة افتتاح تلك الجامعة العالمية المثالية جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية: « هدفنا هو إيجاد أنموذج دائم للتعليم الراقي والبحث العلمي المتقدم».
إن هذا البيان اختصار مفيد, وقول بليغ في رسالة الجامعة وهدفها, وفي هدف المليك في التعليم العالي, والحق أن هذا عصر العمل والجد والاجتهاد, وهذه المبادرات الملكية لم تُبقِ عذرًا لأحد, ولذا فإن علينا جميعًا مسؤولية نتحملها كمواطنين ومسؤولين في هذا القطاع الحيوي, والمجال الذي يبلغ في الأهمية غايتها, فوزارتنا الفتية المباركة وضعت الأمور في نصابها, وعملت على تنفيذ توجيهات القيادة, ولم يبقَ إلا أن نستثمر هذه الجهود, ونغتنم هذه الفرص, ونتفاعل مع هذه الفعاليات كل بحسب قدرته, وموقعه في المسؤولية, لتكون المخرجات والثمار تليق بحجم هذا الدعم والاهتمام, ولتكون هذه الانطلاقة بإذن الله قفزة هائلة, وتحولاً تأريخيًا يعد بمقياس الزمن من أعظم الإنجازات التي نحتسب على الله أن تكون سببًا في عمل يدوم نفعه, وتسطره الأجيال, ونسال الله عز وجل أن يحقق الآمال والطموحات, ويكتب النجاحات المتوالية لهذه الجهود المباركة, ثم يشرفنا أن نرفع لمليكنا المفدى, وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التهنئة الخالصة, والشكر على هذه المبادرات, والدعاء من القلب أن يتم الله سبحانه عليه نعمه, ويسبغ عليه فضله, ويكلأه برعايته, والشكر موصول لوزيرنا الغالي وزير التعليم العالي ولكل العاملين في الوزارة سدد الله رأيهم وبارك مسعاهم والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا وأمننا, وقيادتنا, وأن يجعل أعمالهم زادًا لهم إلى رضوان الله وجنته, إنه سميع مجيب.