يعيش العراق الشقيق منذ عام 2003م كابوساً طاحناً ذا أبعاد سياسية وأمنية وقومية مريعة لم تُبقِ حتى الآن ولم تذر شيئاً من كرامة المواطن وأرواح المواطنين وما يملكون، بدأ الكابوس بالاجتياح الأمريكي الساحق قبل سبع سنوات، وما تلاه من احتلال وانقسام بين الرموز الدينية والعشائرية والإثنية، وقد غرسَت الفتنة السوداء منذئذٍ أنيابها في أحشاء ذلك الكيان المتصدّع وشعبه الجريح، وانفتح الباب على مصراعيه ل(المرابين) السياسيين، من خارج البلاد وداخلها، كلُّ يطمع أن يُحرزَ له موطئ قدمٍ في الخريطة السياسية، وأن يؤسس له أو لمن يمثله نفوذاً مؤثراً في (كيمياء) القرار السياسي!.
أما أسباب استمرار سفك الدماء في عراق اليوم فأمرٌ يحارُ الذهن فيه استيعاباً وفهماً! من الناس من يعزو الاقتتال الوحشي المستعر هناك إلى خفافيش الإرهاب المرتزقة المتسللة عبر الحدود.
ومنهم من يربط الوزْرَ بفلولِ الجيش العراقي المخلوع انتقاماً ممن عملوا على تسريحه، أو ساندوا ذلك، أو تعاطفوا معه.
وفريقٌ ثالث يُئوِّل ما حدث بأنه تصفية (حسابات قديمة) بين فئات متنافسة داخل الكيان العراقي كانت مكتومة الأنفاس، في ظل الحكم الصَدّامي المنقرض، تُؤازرها أطرافٌ من خارج الحدود ليس لها مصلحةٌ مباشرةٌ، سوى الإبقاءِ على حِمَمِ البركان الحالي تلتهم الأخضر واليابس، إنساناً وجماداً، لأسباب وحيثيات تقدرُها تلك الأطرافُ ومن يقف وراءها تقديراً.
وهناك (نظريات) ورؤى أخرى تدلي بدلوها في تفسير ما يحدث الآن، دون أن يكون لها (مرجعية) تتكئ عليها فيما تقول! والناس في الوقت نفسه منقسمو الرأي حول الاحتلال، والهيمنة العسكرية والسياسية المترتبة على ذلك، بين رافض له رفْضاً قاطعاً، بحُجة أنه لولاه ما كان مما هو قائم الآن شيء أبداً، وأن الشعب العراقي بتعدديته الإثنية والمذهبية يملك القُدرة على التعايش بسلام مع نفسه لو تركه (الآخرون) حُراً يدبُّر أمورَه بنفسه.
وهناك منْ يرى نقيضَ ذلك مُحتجاً بأن الاحتلال جاء (ليخلّص) العراق من كُربته السياسية، وأن ما يحدث الآن ليس سوى جزء من معادلة (استعادة التوازن) السياسي بين الفئات المتباينة، وأن فجْراً جديداً سيطل عما قريب، عندئذٍ فقط، سيرحلُ الاحتلال وتعودُ (مياه) الرافدين إلى مساراتها، وتؤوب الطيور المهاجرة إلى أغصانها.. لتغرِّد من جديد.
أقوالٌ كثيرة ونظرياتٌ أكثر تُطرح اليوم على موائد الجَدل حول الشأن العراقي، لا تدري أيُّها الأرجحُ، لكن في وهج (الشك) تذوب شموعُ اليقين، وتتلبّدُ سُحُب الإشاعات والإشاعات المضادة، وتتبارى الألسُن والأقلام تأويلاً أو تبريراً أو دفاعاً أو تنديداً!.
وبعد، فمهما قيل عن الاحتلال العراقي وتبعاته تنديداً أو تبريراً، يظل القلب يخفق بالدعاء أن يبدل الله عسر الرافدين يسراً!.