وجه البرفسورة خولة الكريع صنع شقة ضوء في طيلسان داكن كان يكتفي بالرمز والإشارة دون التصريح بالعبارة، واقع يكتفي بالمنجز يسرب من الداخل النسوي عبر بوابة الرجال فقط.
وجه خولة توقف عنده التاريخ المحلي ومن ثم انعطف، فبعد أن كان الوجه يقصى ويكفن بتخرصات الخطيئة أو لربما الإسراف في تقصي الفضيلة، بات هو مدعاة فخر أمة كاملة بالبرفسورة التي جلبت التكريم أكليلاً على هامة الوطن من أبرز المؤسسات العالمية وأكثرها صرامة وتعجرفاً، ويوصلنا المشهد إلى أنّ الحجاب الإسلامي (ضمن تعدّدية مرجعياته المذهبية) لم ولن ينهض عائقاً أمام إنسانية المرأة وأمام إبداعها ومواهبها.
رئيس ديوان المظالم الشيخ إبراهيم الحقيل، اضطر أن يوضح ملابسات تصريح سابق له يتعلّق بهوية المرأة في سلك المحاماة وأمام القضاة، بعد السماح رسمياً لها بالممارسة والترافع في أروقة المحاكم، وما كان الشيخ الحقيل سيضطر إلى التوضيح وتدارك الموضوع في أمر عادي تقوم به كل شعوب الأرض قاطبة ولولا ان كان (وجه المرأة) جزءاً من الموضوع ولولا أن تناهشت التصريح الأصوات المعتادة التي تريد أن تضيق واسعاً وأن تسقط بانغلاق مذهبي ثلاثة مذاهب إسلامية تبيح كشف الوجه للنساء في الحيز العام.
القضية يختلط فيها العرف بالسياسة مع محاولة مجموعة الاستئثار بالسلطة الدينية وتصفية جميع الأصوات الأخرى، فقضية العنف والتصفية الفكرية هي جزء من التركيبة الفكرية للسلفية المتشدّدة، وعلى الغالب لا يقتصر الموضوع على التصفية الفكرية بل تكون أداة للتصفية الجسدية عبر مدخل التكفير، كما في فتوى الشيخ البراك حول الاختلاط مؤخراً، والتي تحمل في طياتها دعوى صريحة لإهراق دم المختلف والمتقاطع أو الذي لا ينصاع لمقولاتي الخاصة.
الشيخ سلمان العودة صدع بالحق وأشار إلى المذاهب الإسلامية التي تبيح كشف الوجه للنساء حتى وإن كان هو يميل إلى اتباع المذهب القاضي بتغطيته حسب قوله، بينما الشيخ الغيث أشار إلى أن من حق المسلمين أن ينكروا على من يوجب تغطية الوجه ويسقط الفتاوى التي تبيح كشفه، تلك الأصوات وسواها كثير و التي لن أقول معتدلة بل أقول إنها مخلصة لدورها الدعوي القاضي بإبراز الحق عبر كل وجوهه وتجلّياته، وعدم فرض الوصاية وأحادية الرأي على عقول المسلمين.
ترسيخ مبدأ التسامح والتعددية لابد أن يؤسّس له و تغرس جذوره في الثقافة باكراً، فنحن على سبيل المثال لم نطلع أو ندرس في يوم ما عبر مواد التعليم الديني، بأنّ تغطية وجه المرأة هو ما يتبعه مذهب واحد، وان اختلفت معه مذاهب أخرى، ولم ندرس الثراء والتنوّع الإسلامي في الفتوى، ولم ندرس تفاوت الحقيقة تبعاً لاختلاف الزمان والمكان عبر مقولة الإمام مالك (كل أمر يؤخذ منه ويرد عدا ما جاء عن صاحب هذا القبر)، أو فتوى الإمام الشافعي التي اختلفت في مصر عنها في العراق.
وبقيناً طوال تلك السنين نرزح تحت الحقيقة الوحيدة المطلقة تطبق على أدمغتنا، وتقصينا عن سماحة الإسلام وتعدديته وليونة رخصه، لكن وجه خولة صنع منعطفاً في المكان ... وتاريخه.