احتفى العالم بجوجل على نطاق واسع بعد رفضها الحاسم للاستمرار في مراقبة نتائج البحث على موقعها في الصين. وما زال من غير الواضح ما إذا كانت جوجل سوف تستمر في العمل في الصين، ولكننا في كل الأحوال لن نرى تغييراً كبيراً في السياسة التي تنتهجها الصين في التعامل مع الإنترنت. بل إن كل هذا «التدخل الأجنبي» ليس من المرجح إلا أن يؤدي إلى تشبث الصين بعنادها.
وحتى لو لم ترحل جوجل عن الصين في نهاية المطاف، فإن اللعبة لم تنته بعد. فالشركات الغربية قادرة على تعزيز الإنترنت من الخارج من خلال توفير التكنولوجيا المفيدة، وكذلك مفاتيح الوصول إليها. ولنطلق على هذا التوجه «دبلوماسية تويتر».إن موقع تويتر (Twitter) محجوب إلى حد كبير بفعل «سور الصين الناري العظيم»، والذي يمنع الشعب الصيني من الوصول إلى مواقع معينة. ورغم ذلك فإن تويتر لديه ما يكاد يشبه الجاذبية الدينية بين الصينيين من ذوي البراعة الفنية، والذين نجحوا بعزمهم على استغلال الخدمات التي يقدمها موقع تويتر في التفوق على الجهود التي تبذلها السلطات لمنع الوصول إلى الموقع.لقد تسلق مستخدمو الإنترنت «الجدار الناري» عن طريق استخدام وحدات الخدمة النائبة (أو البروكسي)، أو الشبكات الخاصة الافتراضية، التي تسمح لهم بتصفح الشبكة وكأنهم يفعلون ذلك من خارج الصين. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ساعد الصفوة من مستخدمي موقع تويتر في الصين في وضع تعبير «سور الصين الناري العظيم» على قائمة أهم عشرة موضوعات على موقع تويتر - وهو إنجاز مؤثر إذا ما علمنا أن تويتر من المفترض أن يكون محجوباً في الصين.
إن موقع تويتر، الذي يتيح لمستخدميه إرسال رسائل قصيرة إلى مجموعات ضخمة، يسمح للصينيين بنشر الأخبار العاجلة أو حتى الحقائق المزعجة بسرعة بالغة. ويقول مايكل آنتي، وهو صحافي مقيم في بكين وكان دوماً في طليعة حركة الإنترنت في الصين: «إن موقع تويتر قادر على خلق تدفق معلوماتي أسرع من أي وكالة رسمية. وهذا من شأنه أن يمكن الناس من الحصول على المعلومات بشكل أسرع من الحكومة. وهو ما يمثل أزمة حقيقية للشيوعيين».كما يساعد موقع تويتر في حماية المواطنين الأفراد. ويزعم صاحب المدونة بيتر جيو أن موقع تويتر كان السبب في إخراجه من السجن. ويقول إنه اعتقل بعد أن نشر أخباراً عن جريمة تورط فيها مسؤولون رسميون. ومن داخل السجن أرسل نداء استغاثة عبر هاتفه المحمول بعد اعتقاله في شهر يوليو - تموز الماضي، وسرعان ما اجتذبت قضيته الاهتمام المحلي والدولي، الأمر الذي ساعد في تأمين إطلاق سراحه بعد أسبوعين.ولنتخيل إذاً لو كان موقع تويتر متاحاً لعدد أكبر من سكان الصين. المشكلة هي أن العديد من الصينيين ما زالوا يفتقرون إلى الأدوات البسيطة التي تمكنهم من التغلب على سور الصين الناري العظيم.وحين سألت جيو كيف يستطيع العالم الخارجي أن يجعل تويتر أكثر إتاحة في الصين، أجابني بأننا نستطيع أن نساعد من خلال «توفير خدمة الشبكات الخاصة الافتراضية برسوم معقولة». وأضاف أن الشركات الأجنبية بوسعها أن تتيح برامج تصفح أكثر أمنا وأكثر قدرة على مساعدة الشعب الصيني في التحايل على سور الصين الناري العظيم.
وحتى لو لم يكن مؤسسو موقع تويتر يفكرون عند إنشائه في عمله كأداة للترويج للديمقراطية بالضرورة، فهذا هو على وجه التحديد ما أصبح عليه هذا الموقع الآن. ففي شهر أبريل - نيسان 2009، استخدم الشباب في مولدوفا موقع تويتر لتنظيم الاحتجاجات ضد حكومتهم. وبعد شهرين ساعد موقع تويتر الإيرانيين في حشد جهودهم وتبادل المعلومات أثناء احتجاجاتهم على الانتخابات.والآن بدأنا نرى ظاهرة مماثلة في الصين. ففي شهر نوفمبر - تشرين الثاني، تحولت احتجاجات المواطنين ضد إنشاء محرقة في مدينة جوانجتشو إلى حدث واسع الانتشار بفضل موقع تويتر. وفي إشارة إلى الدور الذي لعبه موقع تويتر في الاحتجاجات في إيران ومولدوفا، قال لي جاك دورسي الشريك المؤسس في موقع تويتر: «هذه كلها أحداث وتحركات وقعت باختيار الناس، وكان موقع تويتر مجرد أداة متاحة لتيسير الأمور والتعجيل بها».وربما يتخذ موقع تويتر الآن تدابير أكثر عدوانية في تعزيز حرية الإنترنت في الخارج. ومؤخراً أشار إيفان ويليامز، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي، إلى أن مطوري البرامج يعملون الآن على إنتاج التكنولوجيا اللازمة للتغلب على الحواجز الحكومية، غير أنه لم يتحدث عن تفاصيل محددة.وفي النهاية فإن الفوز في لعبة القط والفأر الصينية على الإنترنت سوف يكون بالإبداع وليس بالضغوط السياسية. ويتعين على العالم أن يستمر في إغراق السوق الصينية، وأسواق البلدان الأخرى التي تقيد حرية التعبير، بأحدث الابتكارات التكنولوجية. ولا شك أن الجهات الرقابية سوف تظل دوماً متأخرة بخطوة واحدة، حيث تعمل على غربلة المعلومات وإغلاق المواقع. ولكن مستخدمي الإنترنت في الصين بارعون بشكل ملحوظ في استخدام الأدوات المحدودة المتاحة لهم. وبجهودهم هذه فإنهم يعملون على تحويل بلادهم ببطء ولكن بخطوات ثابتة وواثقة.
خاص الجزيرة
كبيرة زملاء مركز جمعية آسيا للعلاقات الصينية الأميركية.