كتبت قبل هذه المرة، عن ضحايا دبلوم اللغة الإنجليزية. قرابة ألفي طالب وطالبة، ضاعت حقوقهم، وتاهت أحلامهم، وانسلخت سنوات من أعمارهم، بين أكاديمية تعلم اللغة الإنجليزية..
..وبين جامعة الإمام، ورغم صدور أحكام قضائية تنصفهم منذ ثلاث سنوات، إلا أن هذا الإنصاف المستحق، لم يصل إلى أصحابه حتى اليوم كما أعرف.
ثم كتبت بعد ذلك، عن مظاليم (كانوا) على أبواب وزارة التربية والتعليم، وهم من خريجي وخريجات معاهد وكليات المعلمين سابقاً. أرجو أن يكونوا قد بارحوا هذه الأبواب القديمة الموصدة، فدخلوا من أبواب مشرعة جديدة، إلى وظائفهم في مدارس التربية والتعليم.
أمامي اليوم، شكاوى كثيرة، أتتني من أشخاص كثر، وهي تمثل جرعة كبيرة من المظاليم الجدد، إلا أنها تعني لي على الأقل، حكاية من نوع خاص. إنها حكاية وطنية، يحكيها آلاف الشباب والشابات، الذين وجدوا أنفسهم بعد طول جهد وجهاد وانتظار وترقب، ما بين الدراسة النظرية، وبين المعامل والمختبرات، تائهين هم أيضاً، بين وزارتي الصحة والمدنية.
ما هي حكاية المتخرجين في الكليات الحكومية، والأكاديميات الصحية الأهلية إذن..؟
تقول مصادر مقربة من وزارة الصحة، بأن هناك اليوم، ما بين (25 ألفاً إلى 30 ألفاً)، من الشباب والشابات المتخرجين في تخصصات الصحة وعلومها، هم اليوم بدون عمل، بل هم يشعرون أنهم (على كف عفريت) كما عبّر بذلك أحدهم، فلا الذين درسوا في كليات وزارة الصحة، التي تحولت مؤخراً إلى التعليم العالي، شفعت لهم شهاداتهم، فوجدوا فرصهم الوظيفية في قطاعات وزارة الصحة، ولا الذين درسوا على حسابهم الخاص، في كليات وأكاديميات خاصة، وجدوا فرصهم سانحة في القطاعات الصحية الأهلية، التي تكتظ هي الأخرى - مثلها مثل القطاعات الصحية الحكومية - بعشرات أو مئات الآلاف من المستقدمين للعمل على وظائف صحية عادية، من تلك التي تخصص فيها أبناؤنا وبناتنا، ثم لما خرجوا يبحثون عنها، قيل لهم: لا توجد وظائف شاغرة..! أو انتظروا عاماً وعامين، وربما أكثر، وإلى الأبد.
ألم أقل لكم بأنها حكاية وطنية..؟! إنها من ذلك النوع من الحكايات الطريفة والمحزنة أحياناً، الذي ترويه الجدات للحفيدات، ثم تصبح الحفيدات جدات، ولهن حفيدات يأخذن عنهن هذه الحكايات، ثم يورثنها لمن يأتي بعدهن.
حقيقة.. لم أفهم حكاية وجود آلاف من المتخرجين المتخصصين في علوم صحية، مثل الصيدلة والأشعة وسواها، الذين لم يجدوا مكاناً لهم في سوق العمل الرسمي والأهلي، خاصة أن وزير الصحة يقول في أحد تصريحاته قبل فترة وجيزة، بأن: (القوى العاملة الوطنية في القطاع الصحي؛ شحيحة ونادرة).. هذا صحيح مئة بالمئة يا معالي الوزير. لم تقل إلا حقاً، فنحن نعرف من يقوم على تمريضنا، ومن يدير الخدمات الصحية اليوم، من أشعة وصيدلة ونحوها، في مراكزنا ومستشفياتنا الحكومية والأهلية، فماذا تقول إذن، في هذه الآلاف المؤلفة، التي تم توجيهها من قبلكم ابتداءً للدراسة والتخصص لسد هذا النقص، ثم هي اليوم على (كف عفريت)..؟ هل هؤلاء الواقفين على أبوابكم صباح مساء، يطلبون أو يستجدون فرصهم الوظيفية الوطنية، هم من فئة (قوى غير وطنية)..؟! فمن أجل هذا، تنتشر لجان رسمية عابرة لقارات العالم، للبحث عن (قوى وطنية)، تشغل وظائف شاغرة في القطاعات الصحية، وتفعل أكثر منها، لجان تتبع القطاعات الصحية الأهلية، التي يبدو أنها لا تثق في أبنائنا وبناتنا المتخرجين في كليات وأكاديميات وطنية؟
أين وزارة العمل من هذه الحالة..؟ أين شعار (السعودة)..؟ ولماذا لم يسعف آلاف الشباب والشابات، بتوجيه سليم لتخصصاتهم، أو بحفظ حقوقهم بعد تخرجهم..؟
لماذا لا تنحرف بوصلة البحث عن (قوى عاملة غير وطنية)، من وجهتها الخارجية، إلى وجهة داخلية، لتبحث عن (قوى عاملة وطنية)، خاصة أن هذه القوى الوطنية، تطرق اليوم أبواب وزارتي الصحة والمدنية صباح مساء، بقوة التخصصات التي تم توجيهها إليها، وبقوة الشهادات التي تحملها، وبالوعود التي أعطيت لها، وبالتعهدات التي وقعتها عند التحاقها بالكليات الصحية وفيها: (تتعهد وزارة الصحة، بتوظيف الخريجين في قطاعاتها الصحية بعد التخرج).
ما زلت أبحث عن تفسير لما يحدث. كيف يجد ثلاثون ألف شاب وشابة متخصصون في علوم صحية دقيقة، صعوبة في التوظيف في المرافق الصحية التابعة لوزارة الصحة، ثم في المؤسسات الصحية الأهلية، بينما لا نجد سعودياً إلا نادراً، يعمل في صيدلية أهلية، أو في أقسام الأشعة والمختبرات، وفي بنوك الدم، في واحدة من مستشفيات القطاع الخاص، التي تنمو على حساب جيوب الأسر السعودية، المنجبة لهؤلاء المستجدين وظائف هم فيها، أو في غيرها داخل الجغرافية الوطنية..؟!
متى تنتهي فصول هذه الحكاية (غير) الوطنية..؟
assahm@maktoob.com