Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/02/2010 G Issue 13666
السبت 13 ربيع الأول 1431   العدد  13666
 
في الذكرى الرابعة للانهيار
سوق الأسهم تعود إلى رشدها وتحصد ثمار التصحيح

 

تحليل: وليد العبدالهادي

منذ بدء التصحيح في فبراير كان عام 2006م عام الصدمة ليأتي عام تلتقط فيه الأنفاس حيث الرقم 6767 نقطة يليه عام القرارات الأكثر ملامسة واحتكاكاً بالمستثمر أبرزها قرار وحدة التغير وهيكلة قطاعات السوق وعرض قوائم الملاك وغيرها، أما عام 2009م فكان بمثابة عقوبة عادلة لمن أذنب وسلم من الداخل، حيث تم كشف المستور وعادت الأمور إلى مكانها الصحيح وأصبحت سوق الأسهم السعودية تتمع بمواصفات ومقاييس استثمارية طال انتظارها، وسنستعرض عبر هذه المساحة تقييماً لثمن التصحيح والثمار التي حصدها جراء الأربع السنوات التي مضت.

رالي قرارات إعادة الهيكلة

كان من الضروري أن تتحرك السيولة الاستثمارية في قنواتها الطبيعية حيث كانت القطاعات غير مرتبة ومبوبة بشكل مهني، وعليه صدر في إبريل 2008م ستة عشر قطاعاً مع تحرير السوق من أثر الأسهم المصدرة التي تتبع لملاك إستراتيجيين كالحكومة والشريك الأجنبي والمؤسسين وغيرهم إلى أن تصبح فقط الأسهم الحرة المحدثة يومياً هي من يعكس الحركة الفنية للسوق وفرح بها عشاق التحليل الفني. وكان تغيير توقيت جلسة التداول إلى فترة واحدة وبدون يوم الخميس (إبريل 2006م) نقلة مقصودة لتغيير واقع السوق والنظرة له من باب المضاربة فقط، أيضاً قرار خفض نسبة التذبذب إلى (5%) كان قراراً جذرياً ومحفوراً في أذهان المتعاملين بسبب استخدام إسلوب الصدمة وهي أشبه ما تكون بوخز للبالون (فقاعة الأسهم) وكان من الحكمة استخدام شعرة معاوية لأن تلك الطريقة كان الضحية الأكبر فيها هو (المستثمر الصغير). أما الصدمة الأخرى التي لم تكن العقوبة فيها عادلة لجميع الأطراف هي وقف التداول على بيشة (يناير 2007م) يليها بأسبوع أنعام التي عزلت خارج نظام التداول الآلي المستمر لسنتين وعادت له بعد أن كفرت عن ذنوبها في (أكتوبر 2009م).

أما أهم القرارات المحورية التي أثرت بشكل بليغ على حركة التداول فظهرت في 2008م أولاً بتطبيق نظام وحدة التغير في سبتمبر ذو الثلاث نطاقات سعرية وكان من الأفضل تطبيقه منذ 2005م حيث النطاقات السعرية المجنونة ذلك الوقت خصوصاً وأن أسعار الشركات منتصف 2008م لم تكن متوهجة بل خاملة كما أن مدى التذبذب بعد قياسه منذ 1985م وحتى الآن (كما في الرسم البياني) يظهر بأن السوق بدأ يشهد استقراراً ملحوظاً ويبدي صعوبة في التذبذبات العالية وهو تمهيد حقيقي وأحد إشارات بدء تعميق واتساع السوق.

لكن الجيد أن نظام تداول الجديد الذي تم تطبيقه في أكتوبر 2007م بعد إنشاء شركة تداول في مارس من السنة نفسها والتي انضمت مؤخراً إلى اتحاد بورصات العالم، جاء هذا النظام الجديد لوضع قاعدة تأسيسية لامتصاص منتجات استثمارية طبق منها حتى الآن الصكوك والسندات وهي خطوة صحيحة نحو تنويع السلة الاستثمارية في السوق السعودي، وأخيراً أحد أهم قرارات الجذب الاستثماري هو الإعلان عن فتح المجال بالاستثمار وفق اتفاقيات مبادلة الأسهم المدرجة وذلك في أغسطس 2008م بين الوسطاء المرخصين وبين أجانب غير مقيمين سمحت لأحد الوسطاء المرخصين لأن يكون أحد صناع السوق وهو ما لم يتحقق في السابق.

صناديق خيبت الآمال ووجدت مخرجاً في نهاية الطريق

واقع مخيب للآمال يكشف ضعف الكوادر البشرية التي تعمل في قطاع الاستثمار عصر ما قبل فبراير، ويتضح من الرسم البياني بعد ربط ما يجري في مكرر ربحية السوق الذي وصل إلى 44 مرة مع قمة في حجم أصول صناديق البنوك التي وصلت إلى 137 مليار ريال ولا تزال تخسر نصفها على الرغم من مرور 4 سنوات على الحدث وخسرت عملاءها.

وهذا ساهم في بروز (المجموعات) في أسهم المضاربة لعامين متتاليين بعد أن وجدوا بيئة خصبة في قطاع التأمين. وتشير أرقام الهيئة إلى أن المخالفات وحالات الاشتباه والشكاوى زادت بعد التصحيح بسبب تخلي صانع السوق عن مراكز قديمة له عند 9000 نقطة مع إحداث غربلة في الفكر الاستثماري والمضاربي، وذكرت الهيئة بأن القضايا التي أنهيت في 2005م 28 قضية ونمت إلى 80 قضية في عام 2008م، لكن لا ننسى بأن ثمة لائحة أصدرت بشأن صناديق الاستثمار العقاري في جولاي 2006م لأسباب أولها حتى لا تتكرر عمليات الاحتيال في المساهمات العقارية والثاني لتنويع منتجات السوق المالية وزيادة عمقها، وكانت اللائحة هدفها التنظيم ثم الإدراج ومنها ما هو تطوير أولي (خدمات) أو إنشائي وبعد بيع وحداتها تنتهي مهمة الصندوق لكن تبقى عملية التثمين غير عادلة حتى الآن لكنها أي الصناديق العقارية بالذات ستكون مخرجاً نحو الربحية وقطف ثمار النمو.

ضيوف تداول لم تجد من يكرمها

وصل عدد رخص شركات الوساطة حتى الآن 110 رخصة مع عمليات سحب وإلغاء زادت وتيرتها في العام الماضي مع الأزمة المالية، لكن حقيقة لم تضف شيئاً للسوق بسبب أن البنوك المحلية لا زالت مسيطرة وتحولها كان صورياً على الرغم من أن هذه البنوك لم تثبت جدواها في عصر الطفرة حتى يتم محاباتها الآن كما أن عملية تعهد وتغطية الإطروحات الأولية تتطلب بنوكاً استثمارية وحسابات استثمارية خاصة تحفظ آلية المنافسة، لكن هناك بصيص أمل تجلى مع مطلع هذا العام باستلام عمليتين لتغطية طرح أولي لشركات من الوزن المتوسط، وحفظاً للاقتصاد الوطني تم إصدار لائحة مكافحة غسل الأموال في ديسمبر 2008م حتى لا تتكرر الفوضى الاستثمارية في السوق وتترك ثقوباً في الاقتصاد لتنفيذ عمليات مالية غير قانونية.

جهود الإفصاح والالتزام تقطع شوطاً لا بأس به

نبدأ أولاً بمدى إلتزام أعضاء مجالس الإدارة وكبار التنفيذيين والملاك بالقرارات والسياسات التي وضعتها هيئة السوق المالية، حيث في السابق (زمن الطفرة) أي قبل 2006م كانت الهيئة تلزمهم بإشعار تملك عند 5% وأي تغير في الملكية بعدها يتجاوز 1% لكن لم يكن له جدوى بل خروج المستثمرين الكبار كان إعلاناً ضمنياً بأن السوق فقد سماته الاستثمارية وفتح الباب على مصراعيه للمضاربين، ومع إلزام الهيئة بجوانب جديدة مثل (هدف التملك - والإفصاح عن التملك داخل أو خارج الشركة - فترة حظر التعاملات قبيل النتائج المالية) بدأ المتعاملون يدركون أهمية مواعيد انتخاب عضو أو رئيس أو ترشيح لمجلس الإدارة وأهمية فترة ما قبل إعلانات النتائج المالية وغيرها وهو ما كان يترجم وبشكل خفي في الحركة الفنية مع مراعاة حساسية التوقيت، وأصبحت النظرة للسوق من زاوية المضاربة تضيق مع مرور الزمن، طبعاً هذه الخطة تم تعزيزها في أغسطس 2008م قبيل ظهور الأزمة المالية بتحديث قوائم كبار الملاك يومياً وعلى الرغم من إيجابيتها إلا أنها كشفت عن أقنعة السوق حيث كان يدار بحشود من المضاربين.

أما على مستوى الشركات فقد بدأت الإعلانات تظهر بشكل أوضح مما سبق نسبياً بسبب الالتزام بقوالب الإعلانات ونماذجها وإجراءات بث الإعلان ولم تعد تكتب وفق أهواء الشركات، وتظهر تقارير الهيئة السنوية أن عدد الشركات التي التزمت بالإفصاح في 2007م ستين شركة مقارنة بأربع وثمانين شركة لعام 2008م، ومن اللوائح المهمة في الإفصاح أصدرت الحوكمة في نوفمبر 2006م لكن لم تكن إلزامية بل استرشادية، ومهمة اللائحة توضيح وتنسيق مصالح الشركة مع الملاك والموظفين والحكومة والموردين والعملاء وكل ما يتعلق بالبيئة الداخلية والخارجية للشركة بهدف ضمان عدم تعرض المصالح ولو كانت إلزامية لما تعرضت المصارف لانكشافات من قبل عملاء كانوا يتمتعون بسمعة عالية لدى المصارف وهذه إحدى ثقوب فقاعة الإئتمان.

الاكتتابات.. والمؤشر العام وفارق التوقيت

نلاحظ في الجدول البياني أن نسق الاكتتابات والطرح لم يتوقف بل خف زخمه في 2009م بسبب الأزمة المالية وتعثر كبار عملاء المصارف المحلية، لكن دعونا نركز على نقطة وهي أن عامل الاكتتابات العامة والخاصة أثر بشكل إيجابي وخفف من حدة الهبوط لأنه إذا تم خصم القيمة السوقية لها من قاع مارس الماضي لأصبح قاع السوق (3200 نقطة)، لكن المأخذ هو غياب هذه السياسة وعدم تواجدها بشكل يليق بالسيولة الضخمة في فترة ما قبل فبراير 2006م.

كان الحديث طويلاً عن عمق السوق واتساعه وأنها من أهم سمات السوق الاستثمارية والناضجة لكن منذ 2003م وحتى 2008م لم يتحل السوق بهما والسبب يعود إما لنقص في الأنظمة والقرارات الرقابية والتشريعية أو لعدم التوفيق في عملية التوقيت، وعندما نجد أن القيمة السوقية لسوق الأسهم لأول مرة في 2009م ومنذ 7 سنوات تنخفض قيمتها دون الناتج المحلي القومي حيث بلغت القيمة السوقية 924 مليار ريال يمكن أن نقول أننا في طريقنا نحو تعميق السوق ولكننا لم نصله، والسبب أن نسبة عائد السوق إلى الناتج المحلي للقطاع الخاص لا تزال ضعيفة جداً بسبب حرمان السوق من أطروحات ضخمة لم تدرج حتى الآن، كما أن السوق الآن لا يبدو كثيفاً أي أن نسبة إسهام الفرد في القيمة السوقية للمؤشر العام تبلغ 360 ألف ريال تظهر سيطرة الأفراد وتهميش للمؤسسات المالية، ونجد أيضاً أنه على الرغم من التطور الملحوظ في الإفصاح إلا أنه لم يصل إلى الكفاءة ومن الأدلة الدامغة لا زالت العديد من أسعار الأسهم القيادية دون قيمها العادلة بخلاف عبث المضاربين في الأسهم المجهرية، لكن يبقى السوق ناشئ وأمامه طريق طويل في تحقيق مفاهيم عظيمة كتلك.

رصد وقائع ست سنوات مضت وتوقعات 2010م

يظهر الجدول البياني أن المساهم الأكبر في فقاعة الأسهم كانت المصارف التي وضعت المؤشر العام في مكرر ربحية يصل إلى 44 مرة بسبب تسهيلات وقروض استهلاكية وصلت إلى 708 مليار ريال ورطت صغار المستثمرين بمشتريات تاريخية في السوق ثم جاء الدور مؤخراً على كبار العملاء الذين غرقوا أيضاً في الأزمة المالية وبذلك تكون العقوبة عادلة، ويذكر أن قمة أرباح البنوك كانت في 2006م (34.6 مليار ريال) أما السوق فقد حقق قمته مدعوماً بأرباح تاريخية (91.6 مليار ريال) من سهم سابك ومع ارتداد النفط إلى 78 دولاراً للبرميل (خام نايمكس) وتجنيب مخصصات البنوك التي يطول الحديث عنها تصبح القيمة العادلة للسوق وفق صافي أرباحه 57 مليار ريال عند 6,120 نقطة وهي النقطة التي أغلق عندها مع نهاية 2009م لكن ماذا عن توقعات 2010م؟

بناء على نسبة مطلوبات البنوك من القطاع الخاص إلى إجمالي الودائع والتي تبلغ 78% يمكن رصد توقعات نمو بالإقراض بنسبة 17% بسبب الطلب الحقيقي والملح للتمويل العقاري والذي تنتظره أنظمة جديرة بالاحترام كالرهن العقاري والتمويل العقاري والتأجير التمويلي، وبمتوسط 69 دولاراً لبرميل خام نايمكس مدعوم من الطلب الآسيوي الذي نجا من الأزمة المالية بقيادة التنين الصيني يرجح أن تصل أرباح السوق نهاية العام الجاري إلى 71 مليار ريال وبذلك تكون القيمة العادلة للمؤشر العام 7,900 نقطة.

أما الحركة الفنية فيتضح من الرسم البياني أن السوق ارتد من قواعده التأسيسية الممثلة بالقناة الأفقية الرئيسة الصاعدة عند 4.068 نقطة بشمعة شرائية (المطرقة). ومن حسن الحظ أن مستوى 7.900 نقطة دعم لثلاث سنوات مضت والآن يمثل مقاومة صلبة يتوقع أن يغلق عندها نهاية العام وبذلك يكون قد عاد السوق إلى رشده وأنهى سنوات التصحيح.

مصادر التقرير التحليلي

(التقارير السنوية لهيئة السوق المالية - التقارير الشهرية

والربع سنوية لمؤسسة النقد - التقارير السنوية لتداول - مجلات تداول)




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد