Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/02/2010 G Issue 13666
السبت 13 ربيع الأول 1431   العدد  13666
 

مجداف
سنة (الطَبْعَة)، و(طَبْعَة) السوق
فضل بن سعد البوعينين

 

جرت العادة أن يؤرخ سكان الجزيرة العربية سنواتهم بالوقائع والأحداث الجسام، فنجد في تاريخ الجزيرة، على سبيل المثال لا الحصر، سنة السبلة، الرحمة، الجرب، الدبا، البطاقة، وسنة الطبعة. ربط السنوات بالأحداث ربما قربها أكثر لعقول العامة، وأكسبها بُعداً تراجيدياً مؤثراً.

(الطبعة) تعني «الغرق» في اللهجة العامية، وسنة الطبعة لمن لا يعرفها هي سنة غرق السفن والبحارة التي خلفت ضحايا كثر في منطقة الخليج العربي، بعد أن عصفت الرياح بسفن الغوص الشراعية (صيد اللؤلؤ) فأغرقتها في دقائق معدودات. كان الغوص يمثل المصدر الرئيس للرزق، في الوقت الذي تمثل فيه تجارة اللؤلؤ الداعم الأول لاقتصادات الخليج التي تعتمد ميزانياتها على ضرائب تلك التجارة المزدهرة.

كان الجمع آمناً مطمئناً، يمنون أنفسهم بأرباح مجزية تنسيهم رحلة العناء والشقاء، وتساعدهم في سداد ديونهم التي تحملوها من أجل توفير المواد الغذائية الأساسية لأسرهم. في الجانب الآخر، كانت أسر البحارة تعد الليالي والأيام لعودة الزوج، الأب، الابن، أو الأخ؛ إلا أن التوقعات، والأمنيات الإيجابية قد تتناقض بالكلية مع وقائع الأحداث المؤلمة، وهو ما حدث في (سنة الطَبْعَة)!. ففي منتصف إحدى ليالي ربيع الأول من العام (1343 هـ)، وبينما كانت سفن الغوص المليئة بالبحارة في عرض البحر، قريبة من مصائد اللؤلؤ (الهيرات)، هبت عاصفة هوجاء صاحبتها أمطار غزيرة اقتلعت سفن الصيد من أماكنها وأغرقتها فتسببت في تحطم ما يقرب من 80 في المائة من السفن المبحرة، واستشهاد ما يقرب من 5000 رجل، وهو رقم مهول إذا ما قُورن بعدد السكان المحدود. انتهى موسم صيد اللؤلؤ بكارثة مؤلمة هزت أركان الخليج، حتى قيل أن مصائب «سنة الطَبْعَة» طالت كل بيت في الخليج العربي. أطلق أهل الخليج، وسكان نجد والقصيم الذين فقدوا بعض أبنائهم، على تلك السنة (سنة الطبعة)، حيث بقت ذكراها المؤلمة حتى اليوم، نسأل الله لهم جميعاً الرحمة والمغفرة والعتق من النار.

خسارة الأرواح لا يمكن مُقارنتها بأية خسارة مادية، إلا أن سيناريو انهيار سوق الأسهم العام 2006 يستحق أن يُطلق عليه مجازاً (سنة طبعة السوق). هي (طبعة) مالية صرفة أصابت غالبية الأسر السعودية بضرر مباشر، وإذا ما أضفنا إلى ذلك انهيار أسواق الخليج فتكون سنة 2006 هي (سنة الطبعة المالية) لدول الخليج دون استثناء.

ما ذا حدث العام 2006؟. كانت سوق الأسهم السعودية تمثل الوجهة الرئيسة لكل من أراد الكسب، الاستثمار وتنمية موارده، ومدخراته، حتى أصبحت قبلة الجميع دون استثناء؛ كما كانت أعماق البحار، في العام 1343 هـ وجهة جميع أبناء الخليج الباحثين عن الرزق. على الرغم من نقاوة صيادي اللؤلؤ، وحرصهم على الكسب الحلال وإن كان في أعماق البحار المهلكة، إلا أن بعض تجار الأسهم ورواد السوق، لم يكونوا على تلك السجية الحسنة!. ازدهرت بيوع (النجش)، واستشرت عمليات الاحتكار حتى باتت الشركات تُسمى بأسماء مضاربيها (مُحتكريها) لا بأسمائها. خلال مدة زمنية قصيرة تضاعفت قيمة السوق، وتضخمت الأسعار، واخترق المؤشر حاجز 20000 نقطة بسهولة، مقترباً من 21000 نقطة، في غفلة تامة من هيئة السوق المالية التي تتحمل، والبنوك وزر ما حدث من نكسة حقيقية لسوق الأسهم السعودية، وتبعات الخسائر الفادحة التي تهاوت فوق رؤوس المتداولين.

خلف انهيار فبراير المشؤوم ملايين الضحايا، وترك خلفه الكثير من القصص الدامية. أسر وأفراد تذوقوا طعم الفقر والعوز لأول مرة، بعد أن كانت خزائنهم مليئة بالأموال. انهيار مالي قاد إلى انهيارات أخرى في المجتمع ما زلنا نرى تداعياتها حتى اليوم. عندما نتحدث عن خسارة السوق لما يقرب من تريليوني ريال سعودي فنحن نتحدث عن انهيار حقيقي وإن تجمل المسؤولون في تسميته بأسماء أخرى. غرق (طبع) المقترضون بديونهم، وغرقت محافظهم بخسائر الأسهم، وتسربت الخسائر الفادحة إلى سفن (صناديق) البنوك المُبحرة في السوق ما أفقر المشاركون فيها، وحمل بعضهم الديون، فتبخرت أحلامهم بعد أن تبددت ثرواتهم لأسباب لم تظهر تفاصيلها بعد!!.

(سنة طبعة السوق) ستبقى تاريخا محفورا وإن حاول البعض نزع أوراقها من سجلات تاريخنا المالي، الاقتصادي، والإداري، وستبقى شاهدة على تقصير البعض في حماية أموال المستثمرين، وردع المتجاوزين، والتصرف بحكمة لإنقاذ سفينة السوق من طوفان المياه الجارفة، ومعالجة تداعياتها المؤلمة. غرق (صندوق السوق الأسود) في أعماق الأزمة، وما زال مفقوداً حتى اليوم!. وما بين الأسباب، والدراسات، والنتائج والحلول فُقدت الأموال، وتضرر المجتمع، واستقبل المستبشرون بالثراء الأزمات بدلاً من الثروات، في الوقت الذي ينعم فيه المتسببون والمشرفون بالراحة والطمأنينة والثراء.

أختم بأبيات اللواء الشاعر خلف بن هذال العتيبي، شاعر الوطن، التي ارتجلها في حضرة خادم الحرمين الشريفين، ضمن قصيدة وطنية طويلة، ففيها من الإيجاز الكافي والتعبير الشافي لأزمة سوق الأسهم، ما يُغني عن الشرح:

سيدي: ما يُضحك إلا الكبار من العبر

الجمل لو كان بارك يثوره القراد

ابتلشنا بالهوامير والسوق اندمر

انهبونا واركبونا الذلول بلا شداد

رَموا اليابس بعد ما كلوا كل الخضر

حاشوا الأموال بخياشهم حوش الجراد

الخدع للأغبياء والضعوف من البشر

ما درينا وش حصل بالصباح وبالهجاد

عن علوم الغيب ما عندنا علم وخبر

لو عِلمنا ما نزلنا لخانات الآحاد

سيدي: منك الفرج والقرار المنتظر

لعبة السوق الردي ما تهز الاقتصاد

F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد