الجزيرة - عبدالله البراك
عيش السوق السعودية اليوم ذكرى أقسى انهيار مر عليها وهو انهيار فبراير 2006 الذي ذي أصبح لدى العديد من المهتمين بالجانب الاقتصادي يمثل يوماً للتأريخ وحدثاً لا ينسى، والآن بعد مرور ما يقارب الأربع سنوات على ذلك الانهيار يرى المختصون أن الاقتصاد ما زال متأثرا من ذلك الانهيار. يقول مقبل السلمي انه أدى إلى تراجع معدلات الإقراض من قبل البنوك إلى القطاع الخاص خاصة أن الأزمة المالية أتت كامتداد لانهيار سوق الأسهم في فبراير، فبعض الشركات في القطاع الخاص كان لديها تسهيلات خاصة بالسوق وعندما احتاجت إلى الاقتراض كانت أصولها مرهونة وبالتالي ضعفت أو انخفضت ملاءتهم المالية وبعض أصول الشركات تم تسييلها، وبالتالي لم تتمكن تلك الشركات من الاقتراض لتنفيذ مشروعات جديدة أخرى. إضافة إلى تراجع معدلات السيولة لدى الأفراد والمستثمرين في الصناديق، وهذا انعكس بدوره سلبا على الصناديق وبالتالي اثر في المؤسسات المالية والخاسر الأبرز قطاع الأعمال، وكان لهذا اثر كذلك على معدلات التوظيف في القطاع الخاص، بل إن الأمر وصل إلى حالات من تسريح الموظفين.
أما تأثيراته في الاقتصاد الكلي، فيرى السلمي وهو محلل أسواق مالية أنها محدودة والسبب في ذلك أن اقتصاد المملكة يعتبر اقتصادا ريعيا يعتمد على سلعة وحيدة وهي إنتاج النفط.
بينما يرى الدكتور زايد الحصان أن الانهيار اثر في القوة الشرائية للفرد التي تأثرت بشكل كبير مع انهيار فبراير 2006 مع الأخذ بعين الاعتبار أن تأثيرات أزمة الانهيار لازالت مستمرة حتى الوقت الراهن، كما تأثر الإنفاق الكلي حيث تأثرت القوة الاستهلاكية للفرد بشكل كبير ونعود إلى أن الآثار لا تزال موجودة ولكن بدرجات متفاوتة.
مسبباته من وجهة نظر اقتصادية؟
- يرى الدكتور زايد الحصان أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى ذلك الانهيار وتم معالجتها خلال الفترة الماضية، ويمكن القول إن تلك المسببات زالت بسبب عمليات التطوير الطبيعية التنفيذية التطويرية والتشريعية والتنظيمية. أما مقبل السلمي فيرى أن أسباب انهيار السوق لم تكن اقتصادية بقدر ما كانت أسبابا تمس السوق لذاتها وذلك بسبب تكون فقاعة أسعار فيه، خاصة أن جزءا كبيرا من السوق في بدايات الانهيار عبارة عن شركات لا تمثل نسبة تذكر داخل المنظومة الاقتصادية في المملكة، ويضيف السلمي قائلا انه مع اعتماد جزء من الشركات المدرجة بالسوق على تحقيق أرباح من خلال الاستثمار بالسوق نفسها، وهذا أدى إلى ارتفاع نسبة المخاطرة وبالتالي اكتملت الفقاعة وتم الانهيار.
ما البدائل أو الفرص البديلة في ذلك الوقت؟
- وعن البدائل يرى مقبل السلمي أن المشكلة تكمن في انه تكونت فقاعات خلال فترة واحدة مثل المساهمات العقارية التي تزامنت مع سوق الأسهم، واصبح العائد من المضاربات في سوق الأسهم هو أعلى عائد موجود بين الخيارات المتاحة ما تسبب بأنه وجه السيولة المخصصة للاستثمار في العقار أو التنمية إلى سوق الأسهم مما تسبب بتعطل بقية المشروعات وذلك بسبب السعي إلى الربح العالي والسريع. وبعد انهيار السوق أصبحت النظرة إلى الاستثمارات الأخرى سلبية بسبب أن السيولة التي كان من المفترض أن توجه إلى استثمارات خارج السوق كالعقار على سبيل المثال وجهت إلى سوق الأسهم؛ مما أدى إلى خسائر اعتقد البعض أنها نتيجة لتلك الاستثمارات العقارية، بينما كانت الحقيقة أن القائمين على هذه الاستثمارات هم من عرضوها للمخاطر من خلال توجيها إلى سوق الأسهم.
من جانبه رأى الدكتور الحصان أن الفرص البديلة لم تكن موجودة ولازالت كذلك وهذه أهم الإشكاليات التي تواجهها المملكة في الوقت الحالي.
هل تسربت المضاربة إلى قطاعات اقتصادية أخرى لمعالجة هذه المشكلة؟
- وعن تسرب المضاربات إلى قطاعات أخرى يقول السلمي انه بعد حدوث الانهيار كانت أسعار العقارات قد تراجعت بسبب حالات التدافع على البيع من قبل ملاك العقارات للحاق بالموجة الصاعدة لسوق الأسهم وبحكم قلة الفرص الاستثمارية فإن العودة إلى العقار كملاذ آمن أصبح الخيار الحتمي للمتداولين في سوق الأسهم والمستثمرين ما خلق حالة من المضاربات داخل هذا القطاع أيضا، وأصبحت لا تخضع لحالة طلب وعرض حقيقية مما تسبب بتكون فقاعة أخرى في القطاع العقاري.
أما الدكتور الحصان فقال إن هناك علاقة عكسية قوية بين سوق الأسهم وغيرها من الأسواق كسوقي العقار والذهب، ونلاحظ انه منذ انهيار السوق في فبراير توجهت السيولة إلى سوق العقار محليا وكذلك الذهب عالميا، واضاف الحصان أن هذا رد فعل طبيعي لأن السيولة دائماً وأبدا تبحث عن قنوات استثمارية آمنة ومربحة بالوقت نفسه، ويمثل كل من العقار والذهب ملاذا آمنا للسيولة الاستثمارية بعد انهيار فبراير ولا تزال.
فيما يخص الأفراد فما هو تأثيره عليهم؟
- فسر السلمي أن أهم اثر على الأفراد كان فقدان جزء كبير من المدخرات مع وجود قروض استهلاكية طويلة المدى تصل إلى عشر سنوات، وبالتالي تراجع معدلات الاستهلاك إضافة إلى ظهور السوق السوداء للقروض الاستهلاكية بهوامش ربحية عالية جدا، ومع تراجع مداخيل الأفراد وارتفاع التضخم أصبح الأفراد غير قادرين على الوفاء بالكثير من المتطلبات الأساسية مع عدم وجود عائد على كثير من الأسهم التي كانوا يمتلكونها أثناء الانهيار لتعويض ما حصل لديهم من نقص بالسيولة وتفاقم المشكلة.
ورأى الدكتور الحصان أن الأفراد قد تأثرت قوتهم الشرائية (الإنفاق الاستهلاكي الفردي) بشكل كبير ولازلنا كذلك نأخذ بالاعتبار ضعف قوة العمل الجديدة، حيث لا يزال المواطن الذي كان مستثمرا في سوق الأسهم قبل الانهيار هو العمود الفقري في تحديد حجم الاستهلاك الشخصي المحلي، وكذلك قدرة البنوك على الإقراض خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك بسبب الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها صناديق تلك البنوك خلال الانهيار.
* كيف يعالج الفرد مشكلته؟
- عن معالجة الأفراد لتلك المشكلة قال السلمي: «طبعا الأفراد لا يملكون حلولا حالية عدا الانتظار حتى الانتهاء من الأعباء الائتمانية التي أثقلت كواهلهم والعودة مجددا إلى الاستثمار المدروس وبعائد حقيقي».
أما أهم سبل معالجة المشكلة من وجهة نظر الدكتور الحصان فهو رفع مستوى الوعي الشخصي لدى المستثمر الفرد لتحصينه ضد أي اهتزازات أو اختلالات طبيعية أو مفتعلة قد تتعرض لها السوق، وان على المتداول أن يتجه إلى الاستثمار عن طريق دراسة الأوضاع المالية الحالية والمستقبلية للشركات المراد الاستثمار فيها واخيرا التوجه للحصول على استشارات خبراء قدر الإمكان لمعرفة سلوكيات السوق واتجاهاتها الحالية والمستقبلية لتحديد الوقت المناسب للدخول أو الخروج من السوق.
هل اثر في مقدرة الفرد على الادخار؟
- يعتقد السلمي انه من الطبيعي مع حالة العجز في مداخيل الأفراد يصبح هناك عدم قدرة على الادخار أو الدخول في استثمارات آمنة على الرغم من وجود فرص استثمارية حقيقية.
أما الدكتور الحصان فقال انه بعد تجربة الانهيار القاسية بدأ الكثير من الأفراد يفكرون في بناء مدخرات مستقبلية آمنة من خلال المبالغ الجديدة التي تحصلوا عليها وفقا لإمكاناتهم المادية الحالية؛ وذلك تحسبا لمواجهة أي أزمات مالية طارئة وكذلك التعامل مع البنوك أكثر حذرا ونضجا حتى لا يقع المستثمر الفرد في براثن استغلال البنوك لهذا الفرد.
هل ساهم الإنفاق الحكومي في معالجة وحل المشكلة وما القنوات الاستثمارية المدرجة بالسوق التي استفادت؟
- حول مساهمة الإنفاق الحكومي في معالجة المشكلة يرى السلمي أن الإنفاق الحكومي هو صانع التوازن الحقيقي في الاقتصاد الكلي عبر الخروج بأقل الخسائر من هذه الأزمات المتتالية، حيث أسهم بشكل كبير في دعم القطاع الخاص من خلال توفير بيئة عمل جيدة لهذا القطاع وكذلك رفع معدلات التوظيف وتوفير الفرص الوظيفية للأفراد، إلا أن الأفراد المستثمرين في السوق المالية الذين يعد جزء كبير منهم من أصحاب الوظائف وتضررهم ما زال قائما لم يستفيدوا على المستوى المادي من هذا الإنفاق مشكلة القطاع الخاص أكثر من الأفراد ولكنه أسهم في رفع نسب التوظيف.
أما الدكتور الحصان فيرى أن الحكومة قامت بدور فعال للتقليل من تأثيرات الأزمة على الاقتصاد السعودي، حيث بادرت الى الإسراع في عملية توظيف المزيد من المواطنين وكذلك تحسين الوضع المادي للكثير من الموظفين والقيام بتخفيضات ملموسة في أسعار بعض السلع الأساسية ودعمها بأموال إضافية كان لها اثر ملموس في تخفيف وطأة انهيار السوق على الاقتصاد السعودي ككل.