Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/02/2010 G Issue 13666
السبت 13 ربيع الأول 1431   العدد  13666
 
شذرات اقتصادية
المفاجأة
د. عبد العزيز إسماعيل داغستاني*

 

المملكة العربية السعودية محط أنظار كثير من المسئولين في شتى بقاع الأرض. هذا أمر مفهوم ومتوقع في الوقت نفسه، لأن لهذه البلاد مميزات، بعضها فريد حقاً، تعطيها هذه المكانة. فهي أولاً أرض الحرمين الشريفين، وتحظى باستقرار أمني وسياسي، وتمتلك مفاتيح الطاقة في العالم، وتقود دبلوماسية متوازنة في منطقة غير هادئة. هذا غيض من فيض، نعرفه جيداً وندرك استحقاقاته ونتحمل مسئولياته. وأعرف، بحكم تخصصي، الدور الاقتصادي الفاعل للمملكة العربية السعودية على الساحة الدولية، وهو ما أهلها لتكون عضواً في مجموعة العشرين. وأشعر أننا في بعض الحالات نقصرَّ كثيراً في التعبير عن مكانتنا الحقيقية بين دول وشعوب العالم، وهو قصور نسأل عنه كمواطنين أو كأجهزة حكومية متخصصة، وإن كان هذا ليس موضوع (شذرات) هذا الأسبوع، بل جاء عرضاً، وإن كان يستحق التفصيل والتنويه وعرض الأمر وسبل علاجه. وإذا كنا نشعر بالفخر والاعتزاز، وربما النشوة، عندما نسمع من بعض المسئولين الأجانب بعض كلمات التقدير، والإطراء أحياناً، إن لم يكن غالباً، التي تشيد بدور المملكة العربية السعودية في المحافل الدولية، وما حققته فوق أرضها من إنجازات، إلاَّ أن ما يصدر من بعض المسئولين الأجانب من تصريحات تثير في خاطري أكثر من تساؤل، وتتراقص أمام تساؤلاتي أكثر من علامة استفهام: هل هي تصريحات تعكس تقديراً حقيقياً لما ننعم أو نقوم به، أم أن وراء تلك التصريحات شيئاً ما؟ أشعر أمام بعض تلك التصريحات، أو الكلمات، أن فيها شيئاً من الاستفزاز، أو قلّة اللباقة. وأشعر أن بعضاً منها تنقصه الحكمة أو الحنكة. بل أكاد أشعر أن بعضاً من تلك التصريحات فيها استخفاف أكثر من كونها تقديرا وإعجابا.

هذه مسئولة دولية زارت المملكة العربية السعودية مؤخراً واجتمعت بنخبة من سيدات المجتمع، وخرجت بتصريح صحفي بأنها فوجئت بمستوى المرأة السعودية؟ ونقلت الصحافة السعودية كلماتها وكأنها تفتخر بهذه الشهادة وأن المرأة السعودية وصلت إلى مستوى لا يقل عن نظيراتها في دول العالم المتقدم. فهل اعتبر ذلك مديحاً وإطراءً للمرأة السعودية؟ وهل كان من المتوقع، أو المفترض، أن تكون المرأة السعودية أقل مما هي عليه؟ وما هي (المفاجأة) التي جاء بها ذلك التصريح وعبرت عنها تلك الكلمات. ولماذا نردد بكل سذاجة، إن لم يكن بكل غباء، كلمات تلك المسئولة الدولية؟ وهل تحتاج المرأة السعودية إلى مثل هذه الشهادة؟ وهل فعلاً يمثل مستوى المرأة السعودية مفاجأة لهذه المسئولة التي كانت، بالضرورة، تتوقع أن يكون مستواها أقل مما وجدته بكثير، بحكم تصورها وحكمها المسبق للمرأة السعودية؟ وعلى هذا السياق نفسه، نجد أن كثيراً من المسئولين الأجانب يتحدثون عبر منابر المنتديات والمؤتمرات التي تقام في بلادنا، يتحدثون ونحن ننقل ما يقولون حرفياً وكأننا نشيد بأقوالهم ونفخر بها، يتحدثون عن عنصر المفاجأة. فهذا الخبير الاقتصادي أصابته المفاجأة وهو يرى التطور الذي تعيشه المملكة العربية السعودية، وكأنه كان يتوقع أننا نعيش في القرون الأولى. وذلك الطبيب الزائر (تفاجأ) بالمستوى الذي وصل إليه الطب في المملكة العربية السعودية، وكأنه يتوقع أننا مازلنا نتداوى بالأعشاب؟ وذلك الفنان الزائر (تفاجأ) بالذوق الرفيع للإنسان السعودي، وكأنه يتوقع أننا لا نشعر بجمال الحياة ومتعة الدنيا، بل نحن منغمسون في دياجير الجهل والتخلف. تصريحات وكلمات (المفاجأة) التي نسمعها من بعض المسئولين الأجانب، ونرددها كالببغاء، لا تعني التقدير والإعجاب؟ هي سم يقدمونه لنا في طبق من عسل. ارفضوا هذه الأطباق، فهي مضرة للذوق العام.

*رئيس (دار الدراسات الاقتصادية) رئيس مجلة (عالم الاقتصاد) - الرياض



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد