فبراير شهر انحفر بذاكرة المجتمع السعودي منذ العام السادس بالألفية الجديدة فالجميع تشارك بهم الخسارة التي لحقت بهم جراء سقوط سوق المال، ولكن التذكير به لا يعني أبدا نسيانه على ارض الواقع بل يتخطاه لان يكون محطة دسمة للباحثين الاقتصاديين للوقوف عند كل تفاصيله ومحاولة جمع كل الأسباب التي جعلته بهذه الحدة، وكذلك كل ما خلفه من تبعات فلم يهوي سوق بالعالم إلا وتشابهت اغلب النتائج التي تتبعه فعادة ما يطال التصحيح كل شيء له علاقة بالسوق المالية وكل ما يطرأ من تغييرات تكون عادة مرتبطة بالجهات المشرفة على السوق، وهذا قد يكون أول النتائج التي عكسها الحدث بتغيير رئيس هيئة السوق المالية لكن الصرخة الأولى وبكل التصحيحات التي طالت أسواق العالم تبدأ دائما من جمهور المتعاملين حيث يطالبون بتدخل حكومي ظنا منهم أن ذلك سيعيد المياه لمجاريها
لكن الأسواق عندما تنهي دوراتها الصاعدة فإنها لا تقف في هبوطها إلا عند ما تراه منطقا عادلا وبيتا آمنا لمقومات بناء الاستثمارات القائمة على أساس مالي، وهنا يكثر الحديث عن القيم العادلة مجددا بعد أن يكون الحديث السابق عن المزايا التي يعكسها الاقتصاد على السوق وان الارتفاعات مستمرة ومستحقة رغم أن تلك المقومات باقية إلا أن دفة الحديث تتجه لتدخلات بشرية تريد كبح جماح السوق ولعل من يريد أن يقوم بالمقارنات التاريخية سيجد في كل انهيار حدث لسوق مالي ظروف متشابهة بالحدث في كل مراحله.
غير أن النظر إلى تداعيات التي لها الأمور بالسوق السعودي تستحق أن توثق لتكون تاريخا يستفاد منه ويتم من خلاله رصد الآثار لتدارك بعض الأخطاء مستقبلا سواء على المستوى الرسمي أو الفردي أو الشركات والتنفيذيون ولعل الفئة الأخيرة هي من يجب أن يتم التركيز عليها بشكل اكبر بهذه المرحلة التي نعيشها خصوصا مع تزامن وقوع الأزمة المالية العالمية التي شكلت ضغطا إضافيا عليهم.
ولعل من افرزه الانهيار بالسوق المالي هو تغيير واسع في إدارات أغلب الشركات وبمختلف القطاعات ورغم أن العديد لا يظهر له أي ربط ما بين السوق والتغيير لكنه في حقيقته يلتصق بشكل كبير بالسوق فأبرز التغييرات حدثت في القطاع المصرفي فهناك أكثر من خمسة بنوك استقال أو أقيل إداريون وتنفيذيون من الصف الأول بعيد الحدث، وعلم أن القطاع المالي لدينا المتمثل بالبنوك والمصارف كان على ارتباط وثيق كحال كل الأسواق بالسوق المالية فالتوسع بالتمويل للمستثمرين والقروض التي كانت تعطى بأيسر السبل لتصب في ثنايا السوق لم تأت بقرار وموافقة إلا من البنوك بأعلى مستويات القيادة الإدارية بها، وبالتالي شكلت عوامل المخاطرة التي أوقعوا مصارفهم بها نقطة التحول الكبرى في تقييم أدائهم وبرغم خروج القطاع المصرفي من براثن السقوط بأقل الخسائر لكن ذلك لا يعفي من كان مسؤولا عن تلك القرارات من المسؤولية فلا يمكن لأي مصرف أن يقبل تكرار الحدث ولو بوجه وشكل آخر وبالتالي كان التغيير أمرا لابد منه.
وقد انجرف التأثير على العديد من الشركات بقطاعات مختلفة خصوصا الزراعة التي علق من قطاعها شركتان عن التداول بيشة التي مازالت تنتظر الحل من منقذ أيا كان، وأنعام (المواشي) سابقا حيث أوصلها مجلس إداراتها القديم لحالة من البؤس أسهمت بتراكم خسائرها إلى أن وصلت لقرابة90 بالمائة حتى أتى مجلس إدارة جديد ليعالج تلك المرحلة ويعيد هيكلة الشركة بشكل أصبحت فيه مختلفة حتى بالاسم أنعام الدولية القابضة، ولكن بنفس الوقت بقيت شركات دون تغير كبير خصوصا تلك المستقرة والمتماشية مع كل الظروف كالاتصالات والبتروكيماويات والأسمنتات إلا من تغييرات طفيفة نتيجة لظروف مختلفة قد لا يبدو السوق عاملا أساسيا بها.
إن ما يمكن تصنيفه بهذه التوليفة الجديدة نوعان من تلك الشركات التي طالها التغيير بسبب أحوال السوق، إما ذات ارتباط مالي كالبنوك والمصارف أو ذات ضعف إداري انكشفت أوضاع تلك الشركات بعد ان تخلى عنها الاتجاه الصاعد للسوق وتدفق النقد الكبير الذي أوصل أسعارها إلى أرقام فلكية فانكشفت أحوالها عند السقوط من خلال تقييم حقيقة عمل إداراتها خلال السنوات التي الماضية ويتضح أن كل ما كان يتم الحديث عنه ليس أكثر من سراب..
جوانب التصحيح التي لحقت بالسوق المالي الأكبر عربيا كثيرة لكنها انتقلت من تصحيح الأسعار إلى تصحيح الأفكار فقد رفعت من مستوى فهم وثقافة المتعامل بالسوق بشكل كبير وكأنها تطبق المثل لا أحد يتعلم إلا على حسابه ولم تعد المسألة تقف لدى الجميع عند كيفية استرجاع الخسائر بمفهوم التدخل الحكومي، بل انتقلت اليوم لنرى الكثير من المواقف حول محاسبة المستثمر للإدارات فكثير من الجمعيات عطل فيها المستثمرون قرارات إدارية كتوزيع الأرباح وتبرئة الذمم وعقد الصفقات وتمرير الأجندة الأخرى التي لم يكن أحد يقف عندها بينما اليوم أصبح هناك من يدقق ويحاسب ويطالب بدور اكبر له في حاضنة أمواله وأصبح اليوم المستثمر رقما صعبا لأي مجلس على الأقل ليس بالشكل الذي كان سائدا بالسابق، وقد تحمل الأيام القادمة المزيد من التطور على ساحة قوة المستثمر وقدرته على تغيير واقع الشركات، وبنفس الوقت سيكون من الصعب أن يوافق أحد على قبول المسؤولية بمجلس إدارة أي شركة كما كان بالسابق دون أن يضع في باله حسابا لان يكون عرضة للمساءلة إذا ما تراخى بعمله.