Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/02/2010 G Issue 13666
السبت 13 ربيع الأول 1431   العدد  13666
 
الهزيمة اللذيذة
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

الحوار مع الشباب ذو ذائقة مختلفة، وبخاصة حين تنفتح أقواسه فلا تغلقها تراتبية عمر أو عمل، وبدهشة المنتمي إلى جيل غير مدهش تدور حكايات الأبواب المشرعة لدخول شمس منتصف الليل.

ليكن الحديث حول كرة القدم؛ فقد هزم الهلال النصر في مباراة قريبة ضمن دوري كأس ولي العهد، فاختلطت الدموع بالابتسامات، لكن بعض شباب «التخاطب الشبكي» قدموا قراءة أخرى لمعنى الهزيمة والفوز لا يخطر ببال محرري الرياضة وكتّابها الذين تتغير أمزجتهم بمقدار ما يربح فريقهم أو يخسر، وهي ذاتها فلسفة الحياة التي لا تأذن بانتصار أو انحسار دائبين دائمين، وهم - هنا - لا يُعزون أو يهنؤون بمقدار ما يتماهون مع حقائق مرتهنة للوعي إذا تجاوزنا المرمى المحدود إلى المرامي الممدودة.

عمدوا إلى قراءة نظرية «التحدي والاستجابة» - كما رآها «توينبي» - ولو لم يقرؤوها؛ فالاسترخاء في ظل الوفرة عائق للنمو الفردي والمجتمعي، وتعويد الجماهير على معزوفة التفوق إخلال بشرط الوجود الإنساني، وقد مضى زمن «الأفضل والأكبر» في «الشرق الأوسط» التي تندرنا بها زمنا حين كانت معيار الإنجاز: يُرضي النخب ويخدر العامة، وفي المسار ذاته فليست الراية في منصات التتويج هي الغاية، إذ يأتي الكفاح والنجاح، والصعود والسقوط مفاهيم ذات دلالة للنشء الخارج على «مانشيتات» الصفحات الرياضية.

هل يعني هذا شيئاً على نطاق الحراك «الشبابي» تحديداً؟ ربما؛ فخريجو التعصب الرياضي هم من يسابق في الطرقات ويزاحم في الأسواق ويتفنن في مظهرية الملبس والمركب، ويعلن عن حضوره ببهرجة شكلية في وطنه وخارجه، واستعراضات «الشانز وإدجوارد رود والسوليدير» وما جرى مجراها تشي ببارانويا العظمة الوهمية التي يتدثر بها الشباب وقد تندثر أحلامهم حين يقفون في محطتها، والمشكلة أن الداء انتقل للكبار الذين يستعرضون بثرائهم أو اشتهارهم ليدخلوا مع صغارهم في تردي العلو، وليس أسوأ من السفوح التي تتخيل أنها الذرى.

يأتي الحوار الشبكي بهذه التداعيات ليصادر مخملية الأنا التي تريد أن تحتوي كل شيء لنفسها وتُعير الآخرين بعدم امتلاكه، وهو ما يشير إلى التوازن العقلي عند النظر للحياة الهزيمة كما الحياة النصر، بما يلغي نمطية التفوق واستعداء الاستعلاء.

وقتما كنا صغاراً كان رجل فاضل لا يقرأ ولا يكتب متعصباً لأحد ناديي مدينتنا (ولعله النجمة)، ويقال: إنه رأى ابنه وقد خط على جدار دارهم عبارة طويلة فضربه دون أن يعرف نصها لظنه أنها: (يعيش العربي وتسقط النجمة) أو العكس، وهو مثل غير عابر على ما تصنعه قوة الوهم حين يصبح الانكسار محرماً مجتمعياً في أمور توافه لأننا امتلأنا بالانكسارات الحضارية القاصمة؛ فكأنه التعويض الذي يسكننا دون أن ندري، ولم يتبدل الأمر من لدن صاحبنا إلى الصفحات الرياضية التي استجابت لخدعة التفوق فنفقت صدقيتها لتعارضها مع تبادلية الأدوار الأممية والمؤسسية علواً وانخفاضاً.

ليست الرياضة سوى مثل لامع ليسر تناولها وكثرة متابعيها؛ ليبقى من تعروه هزة لسبقه من سواه، ولو بسيارة في طريق. أحد ضحايا ورم البارانويا من الشيوخ والشباب، وما أكثرهم! فهل نعيد قراءة بعض المسلمات التي يحركها الوهم والوهن والهوى؟

الدنيا سجال.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد