Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/02/2010 G Issue 13666
السبت 13 ربيع الأول 1431   العدد  13666
 
التكافل والشراكة المجتمعية
د. عبد المجيد محمد الجلال

 

الشراكة المجتمعية هي على وجه العموم إطار عمل، أو عقد اجتماعي تتقاسم بموجبه مؤسسات عامة أو خاصة أو خيرية، أو نُخب مجتمعية الأدوار والمسؤوليات والمصالح المشتركة، لتحقيق أهداف معينة، في مجالات الإدارة، والاقتصاد،

والتعليم، والدراسات والبحوث، والأنشطة الاجتماعية والبيئية، ومشكلات البطالة، ونحو ذلك.

إضافة إلى توثيق الصلات والجهود بغرض التعاون وتبادل الخبرات.

والشراكة المجتمعية إطار عملٍ أكثر شمولية، وشفافية، وأوسع أُفقاً يعتمد أساساً النهج التكاملي في إدارة النشاط المؤسسي، ويرتكز على القيم الإنسانية والاجتماعية كمحددات رئيسة في آلية عمل مؤسسات المجتمع وكياناته المتنوعة، والتي قد يصعب كثيراً على جهة أو قطاعٍ بعينه القيام بها دون الشراكة مع جهات أو قطاعات أخرى.

فالشراكة المجتمعية بالتالي أداة مهمة لتفعيل العلاقة بين هذه المؤسسات، وتحفيزها لدعم أدوارها ومسؤولياتها الاجتماعية بما يُعزّز من جهود التنمية، وبرامجها، ويدعم استقرار المجتمع وتماسكه.

ومن أبرز مزايا تطبيقات الشراكة المجتمعي على المستوى الكلي تطوير المجتمع والارتقاء بمؤشرات إنجازه، وتحسين إجراءات وبيئة العمل، وتهيئة قاعدة صُلُبة لتمكين المجتمع من تحقيق أهدافه التنموية، وتطلعاته المستقبلية، إضافة إلى إمكانية تلاقح الأفكار، وتبادل الخبرات، وأدوات التكنولوجيا، وتنمية ثقافة المسؤولية الاجتماعية.

هذه الآلية الحديثة في البناء المجتمعي يمكن أن تنهض بها المؤسسات المجتمعية في المملكة العربية السعودية في القطاعين العام والخاص معاً لمعالجة المشكلات الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية، وتنمية وتطوير القدرات والموارد، واستنبات الأفكار والمقترحات، وتعزيز التعاون، وتبادل الخبرات.

من التطبيقات المهمة والعاجلة لهذه الشراكة ما يتصل بالمشكلات الإنسانية لبعض الشرائح المجتمعية في بعض مناطق ومدن وقرى المملكة والتي اشتدت عليها وطأة الأزمات الاقتصادية، والاجتماعية، وأضحت بحاجة إلى جهود مجتمعية مشتركة، وبرامج طموحة تُعّزز من منظومة الرعاية والتكافل المجتمعي، وتعيد الثقة والطمأنينة إلى نفوس وأُسر قد أرهقتها وطأة الحاجة، وتكاليف الحياة، خاصة مع اتساع نطاق القضايا والمشكلات، والاحتياجات، وتشعبها، وتنوعها، في ظل التزايد السكاني المطَّرد، والتطور الحضري، والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، والثقافية. من أبرز تصنيفات هذه الشرائح المحتاجة المتوزعة على مختلف مناطق المملكة: الفقراء والمساكين، واليتامى، والأرامل والمطلقات ذوات الاحتياج، والأُسر التي لا يوجد لها عائل، والمصابون بأمراض مزمنة مثل: أمراض السرطان والفشل الكلوي والإيدز والشيخوخة ونحوهم, وذوو الاحتياجات الخاصة (المعوقون) والعاطلون عن العمل. . إلخ. إنَّ تفعيل هذه الشراكة المجتمعية لمعالجة قضايانا وأزماتنا الإنسانية يُعد تجسيداً لمبادئ تراثنا الإسلامي العظيم في رعايته وعنايته بذوي الحاجات من أفراد المجتمع الإسلامي، غير القادرين على العمل وكسب الأموال، بأسباب المرض أو الشيخوخة أو الإعاقة، ونحوها، أو بأسباب ناتجة عن كوارث أو مصائب طارئة..

وقد ترجم الإسلام هذه العناية والرعاية بتشريع عدة أدوات وتنظيمات تستهدف إعادة توزيع الدخول والثروات لصالح الفئات المحتاجة، نشراً لمظلة التكافل الاجتماعي، وتعميقاً لمبادئ التعاون والتكاتف والمودة والإخاء، ونبذاً للفلسفة المادية النفعية، وصولاً إلى مجتمع التوازن، اللازم لتحقيق الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في مجتمع الإسلام..

ويمكن تقسيم هذه الأدوات والتنظيمات إلى قسمين: القسم الأول: تشريعات ذات صبغة إلزامية يلتزم المسلم بأدائها، باعتبارها جزءاً من التكاليف الشرعية الواجبة والمفروضة عليه، ومن أبرزها: الزكاة، والميراث، والنفقات، والكفارات.

وتتميز هذه التشريعات بأنها متفاوتة من حيث حجم دائرة المنتفعين والمستحقين لها، فمنها ما يتعلق بالتكافل العام بين أفراد المجتمع، وتشمل الزكاة وعموم الكفارات، و أخرى تتعلق بالتكافل في محيطي الأسرة وذوي القربى، وتشمل الميراث والنفقة، وتعمل التشريعات في مجموعها، ووفقاً لأحكامها المبسوطة في المراجع الفقهية على تحقيق أُطر التكافل الاجتماعي محتوىً ومضموناً.

القسم الثاني: تشريعات غير ملزمة ندب الإسلام إليها، ووعد القائمين بها بجزيل الثواب والمغفرة، وتشمل « الصدقات، بأنواعها وصيغها المختلفة، خاصة الصدقات الجارية، وهي ثمرة لغلبة روح التكافل في المجتمعات الإسلامية، وسيادة روح التضامن والمحبة والإيثار بين المسلمين، و رافد مهم من روافد إمداد المجتمع الإسلامي بالخير ونمائه وتطويره.

إنَّ تفعيل قِيم الإسلام التكافلية عبر بوابة الشراكة المجتمعية عنصر حاسم في دفع الجهود، وحشد الموارد، وإدارة البرامج والمشاريع، بصورة أكثر كفاءة وتنظيمياً، وبما يفضي إلى تحقيق نتائج إيجابية جداً على صعيد معالجة القضايا والمشكلات الإنسانية في هذا الوطن العزيز بإذن الله.

حِكمة: اِجْتماعُ السَّواعِدِ يَبْنِي الوَطَنَ

واجْتِماعُ القُلُوبِ يُخَفِّفُ المِحَنَ.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد