الرياض- خاص (الجزيرة) :
أكدت ثلة من الأكاديميات والمتخصصات في القرآن الكريم وعلومه الدور الكبير الذي تؤديه الجمعيات والمؤسسات الخيرية والدور النسائية لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم تجاه ناشئة وشباب المملكة من البنين والبنات من خلال تعليمهم كتاب الله، وحفظه، وتجويده، وتفسيره.
وعرض في سياق أحاديث لهن بهذا الشأن مجموعة من الآراء والمقترحات لتعزيز دور هذه المؤسسات القرآنية، وتفعيل رسالتها تجاه كتاب الله وتجاه الأبناء والبنات..
التدريب والتأهيل
بداية تؤكد الدكتورة ابتسام بنت عبدالمحسن الجريسي (أستاذ الفقه المساعد بكلية التربية بجامعة الأميرة نورة بالرياض): إن من الصور المشرقة في مجتمعنا الإسلامي عامة، وفي المملكة خاصة، قيام مؤسسات وجمعيات ودور خيرية أخذت على عاتقها مسؤولية القرآن الكريم تعليماً وحفظاً وتدبراً.. ولا شك أن هذا جهد عظيم تُرفع الأكف تجاهه بالدعاء لكل مَنْ شارك في هذه المؤسسات بالقبول وعظيم الأجر.
لكن لو تأملنا واقع الأمة الإسلامية الآن من تكالب للأعداء، وضعف للإيمان، وجهل بالكثير من الأحكام، وبُعد عن تطبيق القرآن.. نجد أن الحاجة ماسة إلى مزيد من العناية بالقرآن الكريم، ينطلق من محط أنظار المسلمين ومهبط الوحي؛ فلا يقف عند إتقان تلاوته، وفَهْم معانيه وحفظه وطباعته فحسب؛ بل تتضافر جهود هذه المؤسسات لإعادة هيبته وتطبيقه في جوانب الحياة؛ فهو النور الذي أرسله الله - سبحانه وتعالى -: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاه وَجَعَلْنَا لَه نُورًا يَمْشِي بِه فِي النَّاسِ}، وقال عز وجل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيه هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}.
فهو إذن منهج حياة؛ لذا فمع ما تبذله مؤسسات تعليم وتحفيظ القرآن الكريم من جهود عظيمة في تعليم الناشئة والشباب من الجنسين إلا أنني أرى أنه ما زال هناك الكثير من الإنجازات التي تستطيع القيام بها حتى يظهر أثر جهدها في رقي المجتمع بالقرآن الكريم؛ فإنه يغني عن كل كتاب وكل منهج، ولا يغني عنه شيء، كتب أحد عمال عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وكان في بلاد فارس -: «أنا قد وجدنا من كتب القوم ما فيها من الحكمة والعبر. فما رأيك؟». فكتب عمر رضي الله عنه: «أحرقها جميعاً؛ فإن الله قد أغنانا بالقرآن».
ولا يُفهم عكس مقصودي؛ فإن الحكمة ضالة المؤمن، لكن يعلو على كلِّ علم وكلِّ كتابٍ كتابُ الله الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}؛ لذا هو نداء لمؤسساتنا المباركة والقائمين عليها أن تتضاعف الأدوار والجهود من حفظ القرآن وتدبره إلى تطبيقه؛ حتى تخرج الأمة من أزماتها في هذا العصر.
دورات ودروس
وتقدِّم الدكتورة ابتسام الجريسي مجموعة من المقترحات، هي: إقامة دروس تربوية من خلال مدارسة قصص القرآن الكريم عامة، وقصص الأنبياء والرسل خاصة، ويكفي لو تصورنا كيف سينتفع شباب الأمة بالدروس التربوية من سورة يوسف فقط، فكيف بقصص القرآن؟.. وإقامة دورات في كيفية تدبر القرآن، وتأمل معانيه، وتفعيل هذا التدبر في سلوك الإنسان، وإبراز أثر القرآن الكريم في الإلقاء من خلال إقامة دورات في فن الإلقاء من خلال إتقان تلاوة القرآن الكريم، وإقامة دورات في خُلق القرآن، وتتبع ما فيه من آيات في هذا الشأن، وكيف يستطيع الإنسان تقويم خلقه من خلال تأمل انتفاع السلف وتأثرهم السلوكي بخلق القرآن، ويكفي في إثبات أهمية ذلك ما قالته السيدة عائشة - رضي الله عنها - جواباً حينما سُئلت عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان خُلقه القرآن». وتأهيل القائمين على تدريس القرآن والمشرفين على حِلَق التحفيظ لتفعيل دور القرآن في حياة الناشئة والشباب، وانتقاء القدوات وتطويرهم بإقامة الدورات المناسبة في هذا الشأن، وتوسيع دائرة المتابعة لمن يرغب في حفظ وتدبر القرآن عن طريق التقنية الحديثة المتمثلة في التواصل عن طريق القاعات الإلكترونية؛ فيصل التعليم إلى الناس في بيوتهم على مستوى الأعمار كافة، وتتسع دائرة الاهتمام بتعليم القرآن لمن يعجز عن التواصل في المؤسسات والدور، وإقامة دورات في بيان منهج القرآن الكريم وسلوكه مع المسلمين وغير المسلمين؛ ما يعطي الصورة المشرقة لخلق القرآن ما الأجناس والأديان كافة، وإقامة برامج للشباب، وأخرى للفتيات (بضوابطها الشرعية) على غرار برنامج (بالقرآن نحيا)؛ حيث يكون لهم ملتقى لمدة أيام أو أسبوع يتعايشون فيه مع القرآن سلوكاً وخلقاً، ويلتقون فيه الدعاة والعلماء والقدوات في هذا المقام، ويطبقون أحكامه، ويتدارسونه فيما بينهم؛ فإن التعلُّم بالقدوة والفعل والتطبيق أقوى من التعلُّم النظري؛ قال صلى الله عليه وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله، وسنتي».
برنامج حاسوب مشترك
بيَّنت الأستاذة أمل بنت مبروك الصاعدي بقسم الدراسات الإسلامية بكلية العلوم الإدارية بمكة المكرمة أن هناك طرقا عدة لتعزيز الدور النسائية، منها: لفت أنظار المجتمع لأهمية هذه الدَُور، من خلال وسائل الإعلام، بإبراز جهود هذه الجمعيات والمؤسسات، والتعريف ببرامجها والرد على الشبهات المثارة حولها، مع تشجيع أفراد المجتمع للالتحاق بها، والدعم المادي لها، بإيجاد أوقاف خيرية، يعود ريعها للإنفاق على هذه الجمعيات والمؤسسات، والسعي لاستقطاب المتطوعين للعمل بها، وإيجاد العنصر البشري المتأهل، بوضع ضوابط قوية للتعيين والإشراف، وعمل دورات تدريبية متخصصة للإداريين والمعلمين والمعلمات للاستفادة من التقنية الحديثة، وحث المراكز التدريبية والمعاهد المتخصصة على التعاون مع الجمعيات الخيرية في ذلك، وإيجاد مناهج وبرامج معدّة كالمدارس الصباحية، والاستفادة من الخبراء والمتخصصين في الجامعات وغيرها، وتطوير هذه المناهج والبرامج كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وربط الجمعيات وفروعها بالإدارة العامة، عن طريق عمل برنامج حاسوبي.
الإشراف المباشر.. والدعم القوي
وترى الدكتور أحلام بنت محمد حكمي، وكيلة عمادة القبول والتسجيل بجامعة جازان، أن دور الفتاة في تحفيظ القرآن الكريم وتعلمه دور مهم جداً، تكتسب منه الفتاة التعليم والتعلم لأمور الدين الإسلامي وحفظ القرآن الكريم دون أن يكون هناك تعارض مع أدوار الفتاة الاجتماعية والأسرية؛ لأن ديننا الإسلامي دين شامل للدنيا وللآخرة، ويجب الجمع بينهما، وعدم التفريق بينهما بالأفكار الضالة المخالفة للمنهج الإسلامي وتعاليم الدين. وتعمل هذه الدور في الإطار المحدد لها، ولكن حبذا لو عمل لها تنسيق أكثر بإنشاء مؤسسة حكومية رسمية تتولى هذه الجمعيات والمؤسسات لتصطبغ بالصبغة الرسمية من قبل الدولة وأجهزتها المختلفة، وتعميق الوسطية في نفوس مَنْ يرتادون هذه المؤسسات من قِبل العلماء والدعاة المتطوعين وتحت إشراف المؤسسة الحكومية المذكورة في البند (واحد)، وتحفيز جميع شرائح المجتمع من ناشئة وشباب بكل الجنسين بالاشتراك في المؤسسات والدور لبناء الشخصية الإسلامية المعتدلة وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي وسياسة الدولة، ووضع اللوائح والتنظيمات من قِبل الخبراء في مجال العمل الخيري لهذه المؤسسات، والاستفادة من الدول المتقدمة في هذا المجال، ونقل خبراتهم التطوعية المنظمة لأبناء البلد، مع الحرص على البناء الشخصي والثقافي الإسلامي المتضمن تعليم وتعلُّم القرآن الكريم على الوجه الصحيح دون غلو فيه، وهذا لا يأتي إلا من قِبل المختصين في علوم القرآن والتفسير، وتحفيز العاملين في هذه المؤسسات من قِبل الجهات المعنية، وحثهم على عمل الخير لأبناء هذا البلد الإسلامي المتماسك قيادة وشعباً ضد كل الفتن التي تظهر في المجتمع، والوقوف ضدها من منطلق إسلامي صحيح لا يعرف الغلو ولا التزمت، وتصحيح الفَهْم الخاطئ لدى عامة الناس بأن هذه المؤسسات تخرج المنحرفين فكرياً وعقائدياً عن طريق الحجة والحوار الذي يعتمد على الاحترام للرأي والرأي الآخر في ضوء كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإيجاد بند للتوظيف للشباب من الجنسين للإسهام في القضاء على البطالة المنتشرة بينهم، والإسهام في البناء الاجتماعي المتكامل في ضوء تعاليم الدين الإسلامي والأنظمة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، والتركيز على حفظ القرآن الكريم تلاوة وحفظاً، وتدبر معانيه هو الهدف العظيم الذي يجب أن يتحقق لهذه المؤسسات والجمعيات الخيرية تحت مظلة البند (واحد)، وتكثيف الدورات المسلكية للمشرفين والمشرفات على هذه المؤسسات والجمعيات الخيرية ودور الفتاة للتصحيح لكل ما هو مخالف أو ناقص عن البناء السليم للشخصية، وحفظ الشباب والشابات من الضياع ومن المؤثرات الفضائية، وتأصيل النفوس السليمة للناشئة من الجنسين، وتحصينهم من المؤثرات والتيارات غير الأخلاقية بقضائهم أوقات فراغهم في هذه المؤسسات والجمعيات، يمارسون العلم والتعلم على يد متخصصين من الجنسين ثقات وتحت الإشراف الرسمي من قبل الدولة وأجهزتها، وحث رجال الأعمال وأهل الخير على دعم هذه المؤسسات والجمعيات وفقاً للنظام المعمول به في الدولة، الذي يصب في مصلحة الشباب والشابات والناشئة من الجنسين.
رفع كفاءة المعلمات
وتقول الدكتورة حصة بنت عبدالرحمن الوايلي، المدير العام للتوعية الإسلامية بوزارة التربية والتعليم: تقوم الجمعيات والمؤسسات الخيرية بدور مهم في المجتمع، يتمثل في العناية بالناشئة والشباب في المملكة من حيث حفظ الأوقات والعناية باستثمار الطاقات وتوجيه القدرات لما فيه المنفعة والفائدة. ويحقق التكافل والتعاون في المجتمع من تلمُّس للحاجات وتفريج للكرب وكفالة الأيتام ورعاية المطلقات والأرامل وإعداد الشباب للزواج؛ ما يسهم في إرساء العلاقات الأسرية والاجتماعية على أسس تربوية سليمة.
كما تضطلع الدور النسائية لتعليم كتاب الله بدور بالغ الأهمية نحوهم باعتمادها على العناية بتعليم كتاب الله وحفظه وتجويده وتفسيره بوصفه أهم مصدر من مصادر التشريع الإسلامي، الذي تقوم عليه صلاح الأفراد والمجتمعات، وذلك بخدمة كتاب الله، وتسخير الإمكانات البشرية والمادية لذلك؛ لينهل الناشئة أصول العبادات والمعاملات، ويستضيء بهديه الشباب في جميع شؤون الحياة.
وإن كان من مقترحات لتعزيز هذا العمل وتطوير هذا الدور - والكلام للدكتورة حصة الوايلي - فإنه لا بد من العناية باختيار القيادات الإشرافية للجمعيات الخيرية والدور النسائية؛ ما يسهم في نجاح العمل وتطويره، والرفع من كفاية المعلمات بتطوير أداء المعاهد العلمية والشرعية، والعناية بالجوانب الإدارية بإقامة الدورات التدريبية لتنمية الجوانب المهارية والعلمية، والتخطيط الجيد للبرامج والمشاريع والأنشطة حتى تؤتي ثمارها ونتائجها من استثمار للطاقات وتنمية للقدرات، والتركيز على تدبُّر كتاب الله، وتمثل قيمه وآدابه، والوقوف عند حدوده حتى يلمس المجتمع أثر كتاب الله، وأثر العمل الخيري سلوكاً وممارسة وتعاملاً.