إنَّ سعادة البشر وشقاءهم يتوقفان على قدر إيمانهم بالله ورسوله، واقتدائهم برسول الله بمتابعته في العقيدة والسلوك والخلق والمعاملة.. وما سعدت الأمة إلا بتمسكها بكتاب الله وسُنَّة رسوله، وما شقي بعض من الأمة إلا باتخاذهم كتاب الله ظهرياً، وإهمالهم سُنَّة نبيهم فقهاً وعملاً؛ فانحرفوا عن الطريق، وزاغت أبصارهم، وطمست بصائرهم؛ فلم يعد يميزون بين الحق والباطل. إذن فالتمسك بهدي السنة عز في الدارَيْن؛ ولذلك نأمل بأن ندرسها بأسلوب سلس قريب التناول للقراء للاستفادة منها بشكل موجز وتوضيح بسيط، ومن الله نستمد العون والتوفيق.
(عن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودِّع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة»). يوضح المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في هذه الجملة من هذا الحديث القيِّم وصيته للأمة بالتقوى والسمع والطاعة، لماذا؟ لأن التقوى أساس الحياة الفاضلة؛ فإن المتقي لله بفعله أوامر الله وتركه نواهيه أصلح ما بينه وبين ربه؛ فكان مؤمناً صالحاً؛ لعل الله يهديه سواء السبيل. أما فائدة التقوى بينه وبين إخوانه فتتضح بأنه إذا اتبع الأفراد كل واحد منهم مدلول التقوى بأن يتقي الله بفعل الأوامر وترك النواهي بعدم المعصية والظلم والعدوان صلح حال الأفراد والمجتمع، وقويت الرابطة.. ففائدة التقوى بين المسلمين فيما بينهم فائدة عظيمة لا تُقدَّر بثمن. وما حل الفساد إلا بتركهم مدلول التقوى وعدم العمل بها؛ فذهب كل فرد يفعل ما يلذ له ويحلو له دون تقوى الله ومراقبته؛ فحل الفساد والخراب.
أما السمع والطاعة ففيهما الفائدة العظيمة والمصلحة الكبيرة؛ لأن الحياة لا تستقيم ولا تستمر بعصيان المحكوم للحاكم فيما يرضي الله؛ فتبدأ الفتنة بمعصية فرد للحاكم، ثم تزداد وتتفاقم حتى تفترق الأمة إلى فئتين أو فئات، ويحصل القتال والتناحر كما جرى في التاريخ؛ فتسوء الحياة وتتدهور. أما إذا أطاع الأفراد ولي الأمر بما يرضي الله فإن المصلحة المشتركة ستتحقق، ويسود الأمن والطمأنينة، وترفرف السعادة عليهم، ويسير كل واحد إلى عمله بأمان وارتياح.. «وإن تأمر عليكم عبد»؛ فالطاعة لازمة لمن يؤمِّره الملك ويرى فيه المصلحة بصرف النظر عن لونه وحسبه ونسبه سواء كان عبداً حبشياً أو لا؛ فالطاعة للملك ومَنْ يُنصبِّه من الأمراء ما لم يأمر بمعصية؛ فطاعة الأمير من طاعة الملك. «وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؛ فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ». وقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصادق المصدوق بأنه من يعش فسيرى اختلافاً كثيراً، وقد وقع فعلاً؛ ما يدل على صدق نبوته. وقد وقعت الفتن من بعده من حروب الردة وما بعدها؛ فما علاج ذلك؟ إن العلاج من ذلك والدواء الناجع هو التمسك بسُّنَّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قولاً وعملاً، وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، ويجب أن نعض عليها بالنواجذ كناية عن الوجوب الأكيد للتمسك بالسُّنة؛ ففي طاعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باتباع سُنَّته الصلاح والرشاد والفوز والأمن والأمان.. وسُنَّة الخلفاء هي من سُنَّة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا يمكن أن نتصور أن تكون خلافاً لسُنَّة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ويحذِّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من محدثات الأمور أياً كانت، سواء في الدين من البدع أو في الدنيا بشق عصا الطاعة والفتنة؛ فهذه من الأمور المهلكات والعياذ بالله.
وفي الختام، اجتهد أخي القارئ الكريم في اتباع السُّنَّة؛ ففيها الكفاية، واحذر البدعة؛ فإنها تضلك، وهي مردودة عليك، واحذر الشيطان كي لا يهون عليك صغار الأمور، وسد عليه بذكر الله وخشيته؛ ففيها النجاة والسلامة.
alhathaily@hotmail.com